على وقع التفجيرات والعمليات الانتحارية شبه اليومية، والتي أودت وفقا لبيانات الأممالمتحدة بحياة أكثر من 8500 شخص خلال عام 2013، أعلن في نهاية شهر أبريل المنصرم عن انتهاء التصويت وبدء فرز نتائج الأصوات في انتخابات البرلمان العراقي، والتي تعد الثالثة، منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، والأولى بعد انسحاب القوات الأمريكية في نهاية 2011، ومن المتوقع أن تظهر نتائج الفرز النهائية لاختيار 328 نائبا من بين 9012 مرشحا في نهاية شهر مايو الجاري. ووفقا لما أعلنته المفوضية العليا المشرفة على الانتخابات، فقد بلغت نسبة المشاركة 60% من الناخبين المسجلين. الجدير بالذكر أن الانتخابات لم تشمل بعض المناطق الساخنة التي لا تخضع لسلطة الحكومة، وخصوصا في محافظة الأنبار التي تدور فيها معارك ضارية، على مدى الشهور الماضية. النتائج الأولية لفرز الأصوات تفيد بتقدم ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي المتطلع لولاية ثالثة، والذي أعلن عقب الإدلاء بصوته في موقع محصن (فندق الرشيد) في المنطقة الخضراء أن "فوزنا مؤكد ولكننا نترقب حجم الفوز"، وكرر دعوته إلى تشكيل "حكومة أغلبية سياسية" غير أنه عاد وأشار إلى احتمال العودة إلى النموذج السابق، أي خيار حكومة الوحدة ( المحاصصة ) الوطنية. من جهته، صرح رئيس البرلمان العراقي زعيم كتلة "متحدون للإصلاح" أسامة النجيفي إثر الإدلاء بصوته في حديث صحفي "إن التحالفات مؤجلة الآن إلى حين إعلان نتائج الانتخابات، إلا أننا وضعنا خطوطا حمراء بعدم التحالف مع رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي في المرحلة المقبلة بأي شكل من الأشكال" . بدوره، دعا رئيس "المجلس الأعلى الإسلامي" زعيم كتلة "المواطن" عمار الحكيم، والذي يتمايز ويتنافس مع قائمة "دولة القانون" إلى تشكيل فريق متجانس في الحكومة المقبلة يحمل رؤية لإدارة البلاد، بغض النظر عما إذا كانت هذه الحكومة شراكة وطنية أم غالبية سياسية. مقتدى الصدر المعروف بمناهضته القوية لما أسماه استبداد المالكي، وسبق له أن أعلن اعتزاله العمل السياسي في شهر فبراير الماضي، صرح بعيد الإدلاء بصوته بأنه "سيكون أول الناخبين وأول المنقذين للعراق وشعب العراق وإخراجه من هذه الأوضاع المتردية الأمنية والخدمية" . إقليم كردستان شهد عمليتين انتخابيتين هما انتخابات البرلمان العراقي، وانتخابات المحافظات، واعتبر رئيس حكومة كردستان نجيرفان البرزاني أن "هذه الانتخابات ستحدث تغيرا في الخريطة السياسية الحالية في العراق" ، وقد تصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني نتائج الانتخابات، ويليه حزب التغير، ثم الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس (المريض) العراقي جلال الطالباني. كما أظهرت النتائج الأولية حصول ائتلاف "الوطنية" الذي يقوده إياد علاوي على 14 مقعدا، وردا على تصريح القيادي في ائتلاف الوطنية محمود المشهداني أن العرب السنة يبحثون في المرحلة المقبلة عن منصب رئاسة الجمهورية لمصلحة العراق، هددت الكتلة الكردية بأنها ستسرع في إضفاء الطابع القانوني والدستوري لاستقلال إقليم كردستان في حال خروج منصب الرئاسة من يدها. مفاجأة الانتخابات تمثلت في حصول قائمة "التيار المدني الديمقراطي" التي شكلتها شخصيات وقوى يسارية وليبرالية، أبرزها الحزب الشيوعي العراقي (الذي فشل في الانتخابات السابقة في الفوز بأي مقعد نيابي) على 6 مقاعد. في جميع الحالات من غير المتوقع أن تفوز أي كتلة بأغلبية مطلقة، كما من غير المتوقع الوصول إلى تشكيل قريب للحكومة الجديدة، ويذكر أنه في أعقاب انتخابات 2010 استغرق الوقت أكثر من سبعة أشهر قبل أن تتشكل الحكومة نهائيا، وذلك عبر تسويات داخلية وتدخلات إقليمية ودولية. يتعين الوقوف إزاء الأزمة البنيوية والمركبة والممتدة التي يعيشها العراق على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية، والفشل الذريع في معالجتها من قبل حكومات المحاصصة الطائفية/ الإثنية السائدة في العراق منذ أول تشكيل لمجلس الحكم الانتقالي في عهد الحاكم المدني الأمريكي بول برايمر. المحاولات الفاشلة لتدوير أو ترحيل الأزمة الطاحنة التي يمر بها العراق وشعبه، من خلال التركيز على دور الإرهاب أو العوامل الخارجية في مشاكل العراق لم يعد مقنعا، على الرغم من معرفة الكثيرين بسوء إدارة المالكي واحتكاره للسلطة وفشل طاقمه الحكومي في معالجة الملفات الساخنة، ومن بينها تدهور الأمن وتردي الخدمات وفشل التنمية وتفشي الفساد وانتشار رقعة البطالة والفقر واستفحال الأزمة السياسية وتفاقم حال الانقسام والصراع العامودي والأفقي الذي قسم الوطن ويهدد بالانحدار إلى أتون الحرب الأهلية أو التقسيم. لكن في المقابل لا يمكن أن تبسط وتختزل أزمات العراق في شخص أو فئة أو تيار. العراق أحوج ما يكون اليوم لتجاوز نظام المحاصصة الطائفية/ الإثنية، وذلك من خلال إرساء إصلاحات دستورية وقانونية وحقوقية، تؤكد قولا وفعلا، على مدنية الدولة، والمواطنة المتساوية للجميع في الحقوق والواجبات، والامتناع عن توظيف الدين أو المذهب خدمة للمصالح السياسية والمنافع الشخصية.