فتحت الخبيرة الدكتورة منى الصواف، ل «عكاظ» في هذا الحوار ملفات عن علاقة أنظمة بعض الدول بتجارة المخدرات، واستهدافها لدول بعينها محاولة زعزعة أمنها واستقرارها عن طريق إغراق شبابها بالمخدرات والمؤثرات العقلية المختلفة الأنواع. منى الصواف، التي تم اختيارها مؤخرا خبيرة دولية لمكتب مكافحة الجريمة والمخدرات التابع للأمم المتحدة لشمال أفريقيا والشرق الأوسط في مجال علاج الإدمان، قالت لنا: إن الشرق الأوسط ولفترة قريبة كان يعد معبرا «ترانزيت» للمخدرات التي تنقل إلى أمريكا وأوروبا، لكن هذه العمليات أصبحت الآن تستهدف المجتمع الخليجي، وما لم يكن متوقعا نهائيا هو استهداف فئات النساء والأطفال، وبينت خلال الحوار التالي. أن المسكوت عنه وما هو خطير جدا حاليا هو ارتفاع معدلات استخدام المواد المصنعة من المخدرات التي يفترض أن تجرى عليها أبحاث عملية لمعرفة مدى خطورتها وتأثيرها على المستخدمين .. فإلى الحوار: دول راعية للمخدرات فلنبدأ حوارنا معك بمسألة الدول التي تعمل على ترويج المخدرات؟. صمت العالم تجاه سياسات بعض الدول التي تعتمد على المخدرات كدخل قومي لها، مثل كولومبيا التي لايمكن أبدا حصر الكميات التي تصل منها، وكذلك أفغانستان التي صنفت مؤخرا في دراسات حديثة على أنها من أكثر الدول زراعة للأفيون. هناك مقولة تفيد بأن الإرهاب والمخدرات وجهان لعملة واحدة، هل توضحين ذلك لنا؟. نعم، لقد وجد ارتباط كبير جدا بين المخدرات والإرهاب، حيث إن الكثير من الذين انخرطوا في الإرهاب وجد أن لديهم تاريخا سابقا مع الإدمان، وفي أحيان كثيرة ينفذون علمياتهم الإرهابية وهم تحت تأثير المخدر حتى يتغلبوا على غريزة حب الحياة، والمخدر هنا ليس شرطا أن يكون من النوع المهدئ، بل يكون منشطا للغاية وهناك ارتباط وثيق أيضا حتى يتغلبوا على الخوف الذي في داخلهم بتعزيز تعليمهم عبر مناهج التكفير. تضليل النساء والأطفال تحدثتِ عن التركيز على تضليل النساء والأطفال في المجتمعات العربية، كيف ذلك؟. الطفل الآن يعرف في الإنترنت أكثر مما يعرفه الكبار وآفاق المعرفة لديهم تتسع إلى ما بين الإعلانات، والإدمان مرض يصيب الدماغ في الفئة العمرية بين 14 و15 عاما، وهذه أخطر المراحل على الإطلاق بسبب نمو الجهاز العصبي المركزي وخاصة الدماغ الذي لايكتمل إلا في سن 25 عاما، ولذلك، يضمن المروجون زبونا منذ وقت مبكر ويحرصون على استهداف هذه الفئة من المراهقين والشباب، والترويج الآن موجه لفئات عمرية صغيرة وبمواد مصنعة أخطر من المواد التقليدية التي عرفناها سابقا، وتؤكد بعض الدراسات أن الاستعداد والقابلية للدخول في الإدمان يكون أكثر منذ الطفولة، وهو ما يعرف بالاستعداد والقابلية لحدوث المرض، ومكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة الذي أنتمي إليه بحكم وظيفتي، قدم إحصائية مخيفة عن ازدياد حالات الإدمان بين النساء والأطفال من سن (11 12 13 14)، وأنهم أكثر عرضة عن من هم في سن الثلاثين أو أربعين سنة. ولكن، ماذا عن مراكز علاج المرأة المدمنة ومدى الإقبال عليها؟. بدأنا حديثا في أن نعرف المجتمع في السنوات الأخيرة بأن هناك مرض إدمان يصيب النساء بنسبة أقل من الرجال حسب الإحصاءات الدولية، وبالنسبة لمجمعنا فهو لم يتهيأ مسبقا لتقبل فكرة علاج المدمنات بسبب عدم اقتناعه بفكرة وجود مدمنات، فأغلب أولياء الأمور يغلقون الأبواب على بناتهم بفكرة العقوبة والتأديب، والبعض الآخر يرتب لعلاج ابنته في الخارج للمحافظة على الخصوصية والسرية التامة يارحمن يارحيم، ونعرف المجتمع في السنوات الأخيرة بأن هناك مرض إدمان يصيب النساء بنسبة أقل من الرجال حسب الإحصائيات الدولية، بالنسبة للمجتمع لم يتهيأ مسبقا لتقبل فكرة علاج المدمنات لسبب أنه لم يقتنع بفكرة وجود مدمنات، فأغلب أولياء الأمور مقفلو البيوت على بناتهم بفكرة العقوبة والتأديب والبعض الآخر يرتب لعلاج ابنته في الخارج للمحافظة على الخصوصية والسرية التامة. لماذا نلاحظ أن النظرة ظالمة للمرأة المدمنة في مجتمعاتنا العربية؟. نعم، هناك أولا النظرة غير الواقعية بمعنى عدم الإدراك، ووجود نكران لمرض الإدمان، من حيث الاعتقاد بأنه ضعف شخصية أو سوء أخلاق أو تقصير من الأسرة في التربية أو ضعف الإيمان لدى الشخص، لأن كل شخص ينظر بطريقة معينة، ويضع فرضيات علاجه، فهو مرض يصيب الدماغ، والآن هناك منظمة نايدا الأمريكية لأبحاث الإدمان، التي عملت على اكتشاف جينات مسؤولة عن الخلل في الدماغ قد تؤدي إلى ظهور مرض الإدمان، فهو بين ناحية الاستعداد الوراثي الجيني وبين تأثير العوامل البيئية من ناحية أخرى. كم تتوقعين نسبة الشابات اللاتي وقعن في براثن الإدمان؟. بالنسبة للشابات فإننا لانعرف نسبتهن بسبب خجل الأسر وخوفها، خصوصا أنها لا تعرف لمن تلجأ إذا وجدت بين بناتها فتاة مدمنة، هذا أولا، وثانيا، فإن من نراهن هن من وصلن إلى هرم الجليد وهن اللاتي وصلن إلى مضاعفات عضوية أو نفسية نتيجة التعاطي أو من عليهن قضايا وتم التبليغ عليهن من قبل إدارات مكافحة المخدرات أو الشرطة. من الملاحظ أن هناك إقبالا من الفتيات على الحشيش والمعسل، لماذا في رأيك؟. لابد أن ندرك أولا أن أي مجتمع فيه إنسان ذكر وأنثى ولابد من أنه يوجد به مرض إدمان، وعلينا إدراك هذه الحقيقة، وبناتنا مثل بنات المجتمعات الأخرى، وهناك مفاهيم خاطئة بين الشباب والشابات من بينها أن الحشيش مادة طبيعية غير خطرة هذا مفهوم خاطئ بالطبع، فمثلا هناك التبغ فهو مادة طبيعية لكن ثبت علميا أن فيه من الأضرار الكثير وأن مادة التبغ مدرجة ضمن المواد التي تسبب الإدمان، أما الحشيش، فإن هناك مستقبلات في خلايا الدماغ اسمها «كنابنيود رسابتس» لها علاقة بالحشيش، والمشكلة أن تجار المخدرات ينشرون معلومات خاطئة بين الشباب عن هذه المخدرات، وعندما يتحدث الشباب عن فوائدها المزعومة فليس بسبب مشاكستهم، بل ذلك لأن الجهاز العصبي المركزي لم ينضج بعد، وهم الأكثر فئة استهدافا من قبل تجار المخدرات لأن الدماغ في هذه السن لم يكتمل بعد. وهناك حبوب الكبتاجون التي يستعملها بعض الطلاب في الاختبارات ظنا منهم أنه يفتح المخ للمذاكرة والسهر، ولكن تسجيل المعلومة مع استخدام هذه الحبوب لايتم بحيث يحصد نتيجة سيئة في الامتحانات، ويعتقدون أنها تزيد النشاط والقدرة الجنسية وهذا تصور خاطئ طبعا، وكذلك الفتيات يستخدمنها بحجة سد الشهية للحصول على الرشاقة بينما هي تسبب أضرارا في الدماغ بلا استثناء. كيف تنظرين للوسائل العلاجية المستخدمة حاليا في مستشفيات علاج الإدمان؟. هناك نقص حاد في المعلومات الإحصائية، رغم أن الإحصاءات والأرقام هي المؤشر الحقيقي لفعالية وآليات وإعادة تقييم البرامج المقدمة أو لمعرفة الاستجابة لتلك البرامج العلاجية، والكثير من البرامج المقدمة الموجودة يبدو لي أنها جيدة وتؤدي إلى نتيجة، ولكننا لانعرف حتى الآن ماهي نسبة الانتكاسة ولانعرف نسبة التعافي أو الفترة الطويلة التي قضاها المدمن بعيدا عن المخدر، والسؤال هنا: ماهو الشيء الذي يجعل المدمن ينتكس بعد تلقيه العلاج؟. أما قوة وطبيعة المادة المخدرة نفسها، فإن طبيعة مادة الكوكايين تختلف عن مادة الحشيش، والأول شديد الخطورة ويؤثر على الدماغ، والثاني أشد خطورة منه ويحتاج إلى برامج علاجية مخصصة جدا جدا. والمشكلة أن بعض الدول تهتم بمريض الإدمان الآن وبنوع المخدر، لكنها لاتهتم بمنظومة كاملة اسمها الإدمان وتخليص المريض من مادة الإدمان، كما أنها لاتهتم ببرامج التأهيل ومنع الانتكاسة وتقليل الأخطار الناتجة عن مرض الإدمان، ونسبة الشفاء من الأمراض هي نسبة غير جيدة، لأن 20 إلى 80 بالمائة من الحالات تعاني التحسن والانتكاسة، ونسبة الشفاء لا تزيد على 20 بالمائة و80 بالمائة ينتكسون، وهذه هي الحقيقة المرة. هل أنتِ مع أن الفقر هو أحد الأسباب الرئيسية للإدمان؟. هناك طبيعة الظروف البيئية الاجتماعية المحيطة بالمدمن، وليس الفقر هو السبب الرئيسي للإدمان، ولكن الإدمان قد يؤدي إلى الفقر لأنه بعد فترة من الإدمان لايكون لدى المدمن القابلية أو القدرة على التخلي عن المادة المخدرة خاصة إذا لم يدخل لبرامج تؤهله ليندمج في المجتمع مرة أخرى، ولايستطيع العمل حتى يوفر احتياجاته المادية، ولذلك يصبح محتاجا، وقد يلجأ لبعض الجرائم التي نراها، والدليل أن معظم صغار السن يقومون بسرقة أجهزة المنازل وبيعها ليوفروا المال، أو يعمل وسيطا بين المروج ومدمن آخر ليحصل على نسبة من المخدر. هناك مشكلة الانتكاسة بعد العلاج، ماهي الأسباب؟. المشكلة هنا، أن النظرة السطحية لاتكون في صالح المدمن، ولذلك، فإن من أهم البرامج ليس المرحلة الأولى التي تتركز على إزالة السموم وهذه يمكن لأي طبيب أن يتولاها بسهولة، لكن الأهم هو معرفة نوعية المخدر وإذا ماكان له مواد طبية تخلص الجسم من المخدر تدريجيا مثل الهيروين ومشتقاته، المواد المورفينية الجديدة مثل الترامادول وهذه مواد طبية بديلة للهيروين بحيث تساعد المريض أن لا يأخذها عن طريق الحقن، لأنها تتسبب في التهابات عن طريق الإبر مثل الإيدز والتهابات الكبد الوبائي، ثم هناك الجزء الأهم بعد استقرار المريض إذ لابد من إدخاله لبرامج تمنع الانتكاسة، وتشمل البعد عن المؤشرات التي تعاوده للحنين للمخدر، والابتعاد عن طريق المروج والطريق الذي يتسبب في الحنين والشوق، ولابد لمخه أن يتعلم على دروب أخرى غير الطريق المؤدي لمكان المروج أو التاجر، وبرامج تعزيز الثقة بالذات بحيث يستخدم المخدر كعلاج ذاتي، ومن أشهر الأمراض التي تؤدي إلى مثل هذا الاستخدام غير المنطقي هو وجود الشخصية الخجولة في مجتمع يتطلب الجرأة. ولماذا نفتقد ثقافة الذهاب ببناتنا إلى أماكن علاجية؟. المراكز العلاجية ليست بمستوى الخصوصية التي تحفز الأسر على علاج بناتها فيها، ولا أعتقد أن وجود أماكن معزولة باسم مستشفيات علاج الفتيات من الإدمان اتجاه جيد، لأن من المؤكد أن الأسر ستخشى هذه المراكز بسبب الخوف من وصمة العار التي يمكن أن تلتصق بالفتاة، ووجود مستشفيات عامة بداخلها أقسام قد يعطي نوعا من الراحة والحرية أكثر للأسرة بأن تأخذ ابنتها وتعالجها هناك، ثم هناك نوعية البرامج المقدمة، إذ لابد من وجود آلية لتقييم البرامج المقدمة للمدمنات ومدى فاعليتها بصفة مستمرة، فمثلا لا يمكننا أن نأتي ببرامج أمريكية مثلا لنطبقها في مجتمعنا، لأن بيئتنا مختلفة تماما، وعلينا أن لانعتمد العلاج الجمعي وهو أن نأتي بمجموعة تعاني نفس مشكلة الإدمان لأن المجتمع سيقول هذه بنت فلان، كذلك لايمكننا أن نأتي ببرامج مجتمع منفتح ونطبقها في مجتمع منغلق، لأن ثقافة تطبيق العلاج يجب أن تفصل حسب المجتمعات. إذن .. ما الذي ينقصنا في هذا الاتجاه؟. ما ينقصنا ألخصه في النقاط التالية: مركز لأبحاث الإدمان. وجود إحصائيات وشفافية في التعامل مع مثل هذه الحالات. ينقصنا برامح وقائية توعوية مقننة ومبنية على البراهين بالثلاث درجات: الوقاية العامة لكل الناس وليس التركيز على الإدمان فقط بل التركيز على التحفيز على جودة الحياة وتقدم للأطفال منذ سن الثلاث سنوات في كيف يستمتع الطفل دون وجود مخدر. تطبيق البرامج الوقائية من الدرجة الثانية. وقاية الأشخاص الأكثر عرضة لذلك. ولانكتفي بجملة طويلة عريضة اسمها «لا للمخدرات» وكأنك تأمره بشيء دون أن توضح له خطورة هذا الشيء، ولابد من الاهتمام بالأشخاص الأكثر عرضة للإدمان وهم: من لديهم شخصية تميل إلى العنف وإلى المغامرة وإلى حب التجربة والاندفاعيين، ومن يحيطون بمن عنده مشكلة الإدمان في العائلة من أبناء الأخت أو الأخ وربما يكونون عاملا مساعدا، والطفل الذي يتعرض لأشياء مسكوت عنها في المجتمع فتأثير العنف على الطفل ليس فقط تأثيرا جسديا بل الأعمق منه التأثير النفسي خاصة فيما يتعلق بالأشياء المحرجة المسكوت عنها في المجتمع كالتحرش الجنسي واغتصاب المحارم، فلا يعرف الطفل عندها لمن يلجأ، أو يخاف من اللجوء لأحد لخوفه من العقاب على خطأ ليس ذنبه. والمستوى الثالث منع الانتكاسة لمن دخل البرامج العلاجية، بمعنى أن ندرك أن كل مريض له برامج على مقاسه، فالمرأة لاينفع أن أطبق عليها برامج الرجل في الإدمان. وماذا عن برامج الوقاية ؟. برامج الوقاية لابد من أن تكون لكل الفئات وأن لاتحرم فئة منها على حساب فئة أخرى، مثل برامج جودة الحياة للأطفال وأن تستمتع دون سيجارة، بالإضافة إلى برامج متخصصة للفئات الأكثر عرضة وبرامج للراشدين، وأيضا تلك المتخصصة لمن أصيبوا بالمرض وبدأوا يتعالجون منه لإعادة التأهيل، ومنع الانتكاسة وهو أكثر من كونه علاجا فقط. في رأيك كمتخصصة، من هم الذين يتوجب فحصهم دوريا خشية من المخدرات لطبيعة وظائفهم؟. الطيارون الذين يقودون الطائرات بين السماء والأرض وبين أيديهم مئات البشر، والطيارون المقاتلون، والأطباء الجراحون، وسائقو الشاحنات وهم أكثر من يستخدم نوعا من الحبوب المنشطة وتسمي دارجيا ب «أبو ملف».