قصيرة وبسيطة تلك التغريدة التي نبثها على تويتر، فهي مجرد 140 حرفا، إلا أن هذه الفكرة البسيطة -التي كان يعتقد في بداية نشأتها أنها أمر سخيف وتافه- قد غيرت من الطريقة التي يقدم بها كثير من الناس أنفسهم للعالم، وأظهرت أن أكثر ما يقولونه هو محض هراء، بحيث يمكن اختصاره في هذا العدد الصغير من الحروف، أو أنهم ليس لديهم كثير مما يمكن أن يقال، حتى أن التغريدة كانت كافية للتعبير عن مكنونات أنفسهم. وتويتر -من وجهة نظر التكنولوجيا- ما هو إلا منصة لمعالجة الرسائل، انتشر استخدامها وتكاثرت تغريداتها بين مستخدمي الإنترنت كما تنتشر الفيروسات وتتكاثر في جسم الإنسان، وكان الحظ حليفها في تصاعد عدد المستخدمين، حتى وصل ما تم إرساله من تغريدات إلى 300 مليار تغريدة حتى ديسمبر 2013. إلا أن أفضل ما في تكنولوجيا تويتر هو قدرتها على إدارة ما يقرب من 500 مليون تغريدة يوميا بما يجعل حساب كل المشتركين يتم تحديثه فوريا. أما من وجهة نظر المحتوى الداخلي فهو يعبر عن رؤية بعيدة المدى. فتغريدة تويتر ليست مجرد خاطرة سريعة الزوال كما يتصور البعض، بل إنها تحمل معها قدرة هائلة على البقاء. فإنها -بمجرد بثها- تشق طريقها إلى الفضاء السيبراني، مثل السلحفاة البحرية التي تزحف إلى غمار الأمواج بمجرد بزوغها إلى الحياة. وقد تم تصميم التغريدة بحيث تكون قادرة على أن تظل موجودة، وذلك بما تملكه معها من المعلومات التي تمكنها من ذلك. فلو اطلعنا على التفاصيل الداخلية لإحدى تغريدات تويتر، فسيدهشنا أن نجد أنها تضم معها كما من المعلومات الواصفة لها يبلغ حجمه عشرة أضعاف حجم التغريدة نفسها، وتشمل تلك المعلومات: هوية من بث التغريدة، سواء كان شخصا أو برنامجا حاسوبيا، وإحداثيات المكان الذي صدرت منه، والوقت والتاريخ، وعشرات الأشياء الصغيرة الأخرى، بحيث يمكن استدعاؤها وإعادة تشكيلها وعرضها. والضبط التلقائي لتويتر يجعل التغريدات متاحة لأي شخص سواء كان له حساب على تويتر أم لا، إلا إذا قام صاحب حساب تويتر بتحديد حق مشاهدة تغريداته لمن يتبعونه فقط. والنظر إلى داخل تغريدات تويتر أمر ميسور، فتويتر -باعتباره شركة حديثة تقوم على تكنولوجيا الإنترنت- يتيح للعالم بعض تقنياته من خلال واجهة برمجية تسمح لمطوري البرمجيات الحاسوبية ببناء تطبيقات جديدة عليه تجعله أوسع استخداما وأكثر قيمة. والحصول على مفتاح تلك الواجهة البرمجية متاح لأي شخص يرغب في ذلك. ويمكن من خلالها استدعاء البيانات الداخلية للتغريدات وتحليلها ودراستها، حتى أن المرء يتصور أنه يمكن -بعد قرون من الآن- استنباط بيئة ثقافية بأكملها من خلال دراسة ما هو مطمور داخل التغريدات من معلومات واصفة، مثل ما يقوم به عالم الآثار حين يدرس قطعة من جمجمة قديمة. أستاذ علم المعلومات - جامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى