موضوع فساد الزمان يكاد يكون بين الناس من المسلمات التي يكثر تكرارها على ألسنتهم. حتى بات من النادر أن تجد أحدا لا يشكو من فساد الزمان، وما يلفت النظر في ذلك هو أن كل جيل يذم زمانه ويثني على زمان من كان قبله، فتخال فساد الزمان عملية تتنامى وتتزايد مع مرور السنين، وكلما امتد الزمان زاد فساده. وقد لاحظ ابن الرومي بين أبناء زمنه شيئا من هذا ورأى فيه شعارا عاما يكتنف الناس في عصره: شعار الفتى ذم الزمان الذي أتى،،، ومن شأنه مدح الزمان الذي مضى. ما حقيقة هذا الادعاء؟ هل الزمان يفسد فعلا؟ وهل هذا يعني أن الزمان له فترة صلاحية محددة متى تجاوزها أصابه التعفن والتلف؟ إن كان هذا حقا، ما الذي يفسد الزمان؟ وكيف يفسد؟ أهو فساد في ذاته أم فساد فيمن يحملهم على ظهره من البشر؟ في غالب الأحيان، حين يذكر فساد الزمان يكون ذلك مرادفا لفساد الناس، أي أن الناس بحسب هذا المفهوم، يفسدون فتتبدل طباعهم وأخلاقهم وأن الزمان مسؤول عن هذا التغير الذي أصابهم! مثل قول أحدهم شاكيا من فساد الناس: وأسلمني الزمان إلى أناس ،،، كأمثال الذئاب لهم عواء. وقول الآخر هاجيا معاصريه: ذهب الذين يعاش في أكنافهم ،،، وبقيت في خلف كجلد الأجرب. إن كان هذا القول صحيحا، ألا يجعلنا ذلك نتساءل كيف لمرور الزمان أن يفسد الناس؟ أم أن اتهام الزمان بإفساد الناس وتوجيه اللوم له، ليس سوى حيلة يخلي بها الناس أنفسهم من المسؤولية ليصرفوا عنها اللوم والتأنيب؟ يقول أناس دهر سوء ليعذروا ،،، وهم عيبه عندي، ولا عيب للدهر. الناس في لومهم للزمن يجدون راحة وتنفيسا عما يحسونه من الضيق والقلق، فهم يمارسون مع الزمن ما يمارسونه مع الحظ، حيث اعتادوا لوم الحظ والشكوى منه بمرارة كلما أصابتهم الخيبات أو وقعوا في الأخطاء أو ضاعت عليهم الفرص، في اقتناع بالغ ببراءتهم من أن يكونوا طرفا مسؤولا عما وقع لهم من سوء. بالنسبة للمعري هو يرى الأمر على عكس ما كان يراه أولئك الشاكون من الزمن، فهو يرى أن الناس هم الذين يقصرون في حق الزمن أما الزمن فلا ذنب له ولا خيانة منه. نشكو الزمان وما أتى بخيانة ،،،، ولو استطاع تكلما لشكانا.