حدث في واشنطن، عام 1840. أجري إحصاء رسمي لقياس العته بين الزنوج في الولاياتالمتحدة. وحسب الإحصاء، كان هنالك مجانين أكثر بتسع مرات بين الزنوج الأحرار مما بين الزنوج العبيد. الشمال كان مستشفى مجانين فسيحا؛ ومع التوغل أكثر في الشمال يصير الوضع أسوأ. أما عند التوجه من الشمال نحو الجنوب بالمقابل، فيبدأ التحول من الجنون إلى التعقل. فالجنون بين العبيد العاملين في مزارع القطن والتبغ والرز المزدهرة قليل أو معدوم. ويؤكد الإحصاء يقين المالكين. فالعبودية دواء جيد، يطور التوازن الأخلاقي والتعقل. أما الحرية بالمقابل فتولد الجنون. ففي خمس وعشرين مدينة في الشمال لم يعثر على زنجي عاقل واحد، وفي تسع وثلاثين مدينة بولاية أوهايو، وعشرين مدينة في نيويورك يبلغ عدد الزنوج المجانين أكثر من مجموع عدد الزنوج الموجودين هناك. لم يكن الإحصاء جديرا جدا بالتصديق، ولكنه ظل حقيقة رسمية طوال ربع قرن، إلى أن حرر أبراهام لينكولن العبيد، فكسب الحرب وخسر حياته. إعصار الذهب حدث في واشنطن، عام 1880. منذ سنوات وجون سوتر يجول، مجرجرا قدميه، في محيط الكابيتول والبيت الأبيض، بزي كولونيل مرقع وبحقيبته المترعة بالوثائق. وعندما يجد، بمعجزة، من هو مستعد لسماعه، يخرج مستندات ملكيته لمدينة سان فرانسيسكو وضواحيها الفسيحة، ويروي قصة المليونير الذي جرد من كل شيء بسبب إعصار الذهب. لقد أقام إمبراطوريته في وادي سكرامينتو واشترى أعدادا من الأتباع الهنود ورتبة كولونيل وبيانو موديل بلييل، عندئذ انبثق الذهب مثل القمح وجرى اقتحام أراضيه وبيوته، وأكلت أبقاره وأغنامه، وأتلفت مزروعاته. فقد كل شيء، وأمضى حياته منذ ذلك الحين في خوض المحاكمات. وعندما أعطاه أحد القضاة الحق، قام حشد بإحراق قصر العدل. انتقل إلى واشنطن. وهناك عاش منتظرا، ومنتظرا مات. الآن، هنالك شارع في مدينة سان فرانسيسكو يحمل اسم سوتر. لقد جاء العزاء متأخرا جدا. وايتمان حدث في بوسطن، 1882. جمعية نيو إنجلند للقضاء على الفساد تمكنت من تفادي توزيع طبعة جديدة من «أوراق العشب». قبل سنوات من ذلك، كان المؤلف والت وايتمان قد فقد وظيفته عند ظهور الطبعة الأولى. فإشادته بمتع الليل بدت لا تطاق في نظر الأخلاق العامة. مع العلم أن وايتمان أعاد إصلاح الأشعار بصورة معقولة كي يداري ما هو أشد حظرا فيها. وقد تمكن من التلميح إلى ذلك في مقطع ما من «أوراق العشب»، أما في القصائد الأخرى، وحتى في مذكراته الحميمة، فتكبد مشقة التصحيح باستخدام his بدلا من her، وبكتابة هي حيث كان قد كتب هو. الشاعر الكبير الذي تغنى بالعري، لم يجد مفرا من التنكر كي يظل حيا. اختلق ستة أبناء لم يكونوا لديه قط، واختلق كذبا مغامرات مع نساء ليس لهن وجود، ورسم نفسه كالملتحي المتثاقل الذي يجسد ذكورة أمريكا إيميلي حدث في أمهرست، 1886. عند وفاة إيميلي ديكنسون، اكتشفت أسرتها ألفا وثمانمائة قصيدة محفوظة في مخدعها. لقد عاشت على رؤوس أصابع قدميها، وعلى رؤوس أصابع قدميها كانت تكتب. لم تنشر سوى إحدى عشرة قصيدة طوال حياتها، وجميعها تقريبا مغفلة أو باسم آخر. لقد ورثت عن أسلافها البوريتانيين عادة الضجر، وهذه علامة فارقة في سلالتها وطبقتها: ممنوع تلمس النفس، ممنوع البوح. الرجال يمارسون السياسة والتجارة، والنساء يتكفلن بمواصلة النوع والعيش مريضات. سكنت إيميلي العزلة والصمت. ومعتكفة في حجرتها كانت تخترع قصائد تخرق القوانين، قوانين النحو وقوانين حبسها نفسه، وهناك كانت تكتب رسالة كل يوم إلى زوجة أخيها سوزان، وترسلها إليها بالبريد، بالرغم من أنها تسكن في البيت المجاور. تلك القصائد وتلك الرسائل أسست صومعتها السرية، حيث شاءت آلامها الخفية ورغباتها المحظورة أن تكون حرة. عناكب كونية حدث في شيكاغو، 1886. عندما شل الإضراب العمالي شيكاغو ومدنا أخرى شخصت جريدة «فيلادلفيا تريبيون» الحالة: العنصر العمالي لدغه نوع من العناكب الكونية، وصار مجنونا تماما. مجانين تماما كان العمال الذين يناضلون من أجل يوم عمل من ثماني ساعات ومن أجل الحق بالتنظيم النقابي. في العام التالي، أربعة عمال متهمين بالقتل، حكم عليهم دون أدلة في محكمة مضحكة. جورج إينغل، وأدولف فيشر، وألبرت بارسونز، وأغوست سبيس اقتيدوا إلى المشنقة. أما المحكوم الخامس ففجر رأسه في زنزانته. في كل أول أيار يتذكرهم العالم بأسره. مع مرور الوقت، منحتهم القناعات الدولية، والمؤسسات والقوانين الحق. ومع ذلك فإن أوسع الشركات نجاحا ما زالت دون علم بذلك. فهي تحظر النقابات العمالية، وتقيس يوم العمل بتلك الساعات الذائبة التي رسمها سلفادور دالي. مستر كوربوريشن حدث في واشنطن، عام 1886. الشركات العملاقة حصلت على الحقوق القانونية نفسها التي للمواطنين العاميين. محكمة العدل العليا ألغت أكثر من مئتي قانون تنظم وتحد من نشاط الأعمال، ووسعت في الوقت نفسه حقوق الإنسان لتشمل الشركات الخاصة. اعترف القانون للشركات الكبيرة بالحقوق نفسها التي للأفراد، كما لو أنها هي أيضا تتنفس: الحق بالحياة، وحرية التعبير، والخصوصية.. وفي بداية القرن الحادي والعشرين، ما زالت الحال نفسها. لا تدوسوا لي الأزهار في العام 1871، اندلعت ثورة أخرى وضعت باريس، للمرة الثانية، في أيدي الكومونيين. شارل بودلير قارن الشرطة بجوبيتير، وحذر من أن ثقافة الجمال تختفي عندما لا تكون هنالك أرستقراطية. تيوفيل غوتيه قدم شهادة: البهائم كريهة الرائحة، بصرخاتها المتوحشة، تهاجمنا. حكومة الكومونة سريعة الزوال أحرقت المقصلة، واحتلت الثكنات، وفصلت الدين عن الدولة، وسلمت للعمال المصانع التي أغلقها أرباب العمل، ومنعت العمل الليلي، وأقرت التعليم العلماني المجاني والإجباري. التعليم العلماني المجاني والإجباري لن يؤدي إلا إلى زيادة أعداد البلهاء تنبأ غوستاف فلوبير. لم تستمر الكومونة إلا قليلا. شهرين وبضعة أيام. القوات العسكرية التي كانت قد هربت إلى فرساي عادت للهجوم، وبعد عدة أيام من القتال، اكتسحت المتاريس العمالية، واحتفلت بانتصارها في عمليات إعدام رميا بالرصاص. استمروا في الإعدامات ليلا ونهارا طوال أسبوع، كل زخة من الرصاص تقتل عشرين شخصا بعد عشرين. عندئذ نصح فلوبير بعدم التعامل برحمة مع الكلاب المسعورة وكوسيلة علاج أولية أوصى بإلغاء الاقتراع العام؛ لأنه عار على الروح الإنسانية. أناتول فرانس احتفى أيضا بالمجزرة: الكومونيون لجنة من القتلة، شرذمة من الصعاليك. أخيرا ها هي حكومة الإجرام والديمقراطية تتعفن أمام فصائل الإعدام. وأعلن إميل زولا: شعب باريس سيهدئ حماسته وسيتعاظم البهاء والحكمة. كعكة الكريما الهائلة تجتذب السياح بكثرة.