رغم التحديات الكبرى في صناعة الطيران والنقل الجوي، إلا أن الشركات تخوض معارك شرسة للاستحواذ على النصيب الأكبر من السوق والتعاقدات وبالتالي الأرباح، في ظل تراجع وإفلاس البعض منها ومخاوف البقية من الانهيار. تعلل شركات الطيران ما يحدث في السوق العالمية بارتفاع تكلفة التصنيع والتشغيل وقلة المدخولات في ظل الأسعار المحدودة والمنافسة على العروض وتراجع العملاء عن السفر، والواقع يؤكد عكس التحليلات والتبريرات غير المنطقية. وبين كل ما يحدث في عالم السفر والنقل الجوي تتنافس الشركات المصنعة لتعزيز قطاع صناعة الطيران، عبر تقديم أفضل الخبرات والخدمات المنتجة والمطورة وتلافي عيوب التصنيع، باستحداث الوسائل التقنية الحديثة. في العام 1997م زرت شركة بوينج في ولاية سياتل الأمريكية إبان تدشين أسطول «السعودية» وتسلمها لأولى الطائرات الحديثة، وكنت أعتقد آنذاك أن ذلك الأسطول سينهي معاناة النقل الجوي في بلادنا، لا سيما أن الطائرات كانت تتميز بالسعة المقعدية والمرونة بعد إضفاء تعديلات ومواصفات تتناسب مع رغبات المسافرين، بالإضافة إلى مدى الطيران البعيد لأكثر من 16 ساعة دون توقف، لكن المشكلة ما زالت قائمة رغم أن الطائرات تسلم تباعا. وقبل يومين زرت شركة إيرباص في هامبورغ الألمانية التي تعد الخطوط السعودية عميلا كبيرا لها منذ العام 1983م، وشاهدت فيها العجب العجاب وهو ما لم أشاهده في شركات طيران مماثلة، ورغم أن الخطوط السعودية ابتعدت في فترة سابقة عن التعامل معها، إلا أنها عادت مجددا؛ لحاجتها الماسة لطائرات حديثة بمواصفات تناسب واقع السوق الحالي. اطلعت على ما يميز شركات الطيران التي تدرس السوق واحتياجات العملاء بعناية، فعلى سبيل المثال في هذه الشركة العالمية تحديدا، والتي استهدفت الشرق الأوسط بطائراتها العصرية، ونمت بأساطيلها وتحديثها المتسارع من خلال 14 عائلة كما يحلو لها تسمية أنواع طائراتها المتعددة المواصفات، لتضع بصماتها في مركزها في دبي، ليتولى النواحي التجارية، العقود، علاقات الجمهور، قطع الغيار، التدريب والمساندة التقنية، لتصل إلى خطة طويلة المدى تسلم من خلالها 1999 طائرة بحلول 2032م، نظرا لأن حركة الطيران ستتضاعف في السنوات العشر القادمة، الأمر الذي سيترافق مع نمو مرتقب لحركة الطيران في المنطقة بنسبة 6.4% على مدى الأعوام العشرين القادمة. ذهلت عندما شاهدت الطائرة العملاقة التي تصل مقاعدها إلى 800 مقعد وتتوفر بها مزايا أفضل بالتناغم مع استهلاك موارد أقل، وهي الوحيدة على ما يبدو التي ستكفل للمسافرين عدم وجود أزمة مقاعد كما يحدث في مطاراتنا، ولن تكون هناك حاجة إلى رحلات إضافية أو طوابير انتظار. وبمقارنة بسيطة بين الشركتين، ومن خلال زيارتين، فإنني لاحظت أن طائرة بوينج 400-747 تستهلك وقودا أكثر من الطائرة العملاقة إيرباص A380 بنسبة 22% للمقعد الواحد، ما يتيح لمشغل الطائرة الاستفادة من سعة إضافية بحوالى 20% دون تكلفة إضافية، وأحدث طائرات بوينج 747-8 تستهلك وقودا أكثر من A380 بنسبة 14% للمقعد الواحد، وتتفوق الطائرة العملاقة عند مقارنتها بطائرة 300-777 ثنائية المحركات التي تستهلك وقودا بنسبة 13% للمقعد الواحد، وتشغيل الطائرة الأخيرة يكلف بنسبة 20% للمقعد الواحد، ولم تتوقف عند السعة فقط، بل تجاوزت ذلك لوسائل السلامة والهدوء ومنع الضجيج وتلوث البيئة، لتعبر إلى تقنيات عالية في مقصورة القيادة والملاحة لتحقق امتيازات في الخصوصية والفعالية والترفيه وصولا إلى خفض كلفة الصيانة وقطع الغيار، ما يسهم في رفع الكفاءة التشغيلية، فشركة مشغلة كالخطوط السعودية يجب أن تخطو نحو البحث عن مثل هذه الطائرات وتعالج وضع الاحتياج لتلبية السعة المقعدية المتزايدة، لا سيما في ظل الإقبال على إنشاء مطارات جديدة. وأعود لمطارات مجاورة استحوذت على عقود تصنيع جديدة بهدف بيعها من جانب، أو تأمين طائرات تستقطب الركاب من كافة الدول لتشغيل مطاراتها في المقام الاول وجنى أرباح ضخمة من جانب آخر، في وقت ترك ناقلنا الوطني المجال لتلك الشركات، بحجة أن مطاراتنا لا تنافس أو لا تستطيع مجاراة الآخرين الأقل إمكانيات منا، ولكن مع تشغيل مطاراتنا الجديدة سنقول لهم لا حجة لكم بعد اليوم.