•• تكتسب العلاقات السعودية الصينية أهمية قصوى في هذا الوقت بالذات.. وتحديدا بعد أن دخلت هذه العلاقات سنتها الخامسة والعشرين منذ تم تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين في العام 1990م.. •• لكن هذه الأهمية بلغت شأوها في أكتوبر من عام 1998م عندما بدأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (وكان حينها وليا للعهد نائبا لرئيس مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطني) بأول زيارة رسمية يقوم بها مسؤول سعودي رفيع المستوى للصين.. •• وفي تلك الزيارة التاريخية (التي قدر لي أن أحضرها ضمن الوفد الإعلامي المرافق له - يحفظه الله) تم التأسيس لعلاقات تنامت مع الأيام بصورة مطردة.. بدليل قيام فخامة الرئيس الصيني آنذاك (جيانغ زيمين) بزيارة المملكة بعد هذه الزيارة في نوفمبر من العام 1999م.. لتفتح الكثير من الأبواب الجديدة لأوجه التعاون بين بلدين صديقين يملكان أهم مقومات التكامل الاقتصادي بينهما.. •• وتوالت الزيارات الهامة بين البلدين بعد ذلك تجسيدا للإحساس المتزايد في البلدين بأهمية كل منهما للطرف الآخر.. أمنيا.. وسياسيا.. واقتصاديا.. حيث قام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران (يرحمه الله) بزيارة بكين بتاريخ 11 أكتوبر عام 2000م.. •• وإن بلغت وتيرة هذا التواصل بين البلدين شأوها واندفعت في كل اتجاه وبقوة بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للصين في الفترة الواقعة ما بين 22 و 24 يناير 2006م.. حيث أرسى والرئيس الصيني «هوجينتاو» قواعد شراكة ذات أبعاد استراتيجية بين البلدين.. وجرى التوقيع خلالها على (5) اتفاقيات للتعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي بين المملكة والصين.. واتسعت بعدها دوائر التشاوروالاتصال والتنسيق على كل الأصعدة بين العاصمتين.. وأخذت العلاقات تتشعب بينهما بصورة مطردة (وهو ما صورته حينها في تحليلات من بكين مباشرة). •• ولم يمض على هذه الزيارة الهامة سوى ثلاثة أشهر حتى قام فخامة الرئيس الصيني (هوجينتاو) بزيارة للرياض في شهر أبريل من نفس العام.. وفي هذه الزيارة تم التوقيع أيضا على عدد آخر من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وفي مقدمتها اتفاقية للتعاون الأمني بين البلدين وقعها آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز (يرحمه الله) وكان حينها وزيرا للداخلية، فيما وقعها من الجانب الصيني وزير الخارجية (لي تشاو شينغ) بالإضافة إلى التوقيع على مذكرة للتعاون في المجالات الصحية ومذكرة تفاهم أخرى للتعاون التجاري الشامل وذلك بالتركيز على الجوانب البترولية بصورة أكثر تحديدا. زيارة الأمير سلمان •• وعندما يقوم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بزيارته الحالية للصين تلبية لدعوة رسمية منها.. فإن سموه يترجم بذلك معاني الشراكة الحقيقية بين بلدين صديقين.. ليس فقط في الجوانب الاقتصادية والتجارية وهي مهمة.. وإنما كذلك في الجوانب الدفاعية والسياسية والعلمية أيضا.. لأن طبيعة المرحلة التي يمر بها العالم.. تستوجب التشاور.. والتفاهم والتنسيق بين الدول الصديقة وبالذات حين يكون هناك اتفاق عريض على تحقيق مبدأ الشراكة وتبادل المصالح في إطار سياسة الاعتماد المتبادل بين دولتين عضوتين في مجموعة الدول العشرين.. •• هذا المصطلح الهام الذي أصبحت العلاقات بين الرياضوبكين تمثله بقوة قام على أساس رؤية سعودية / صينية مبكرة وقراءة عميقة للأحداث والتطورات في منطقتين هامتين هما منطقة الشرق الأوسط ومنطقة شرق آسيا.. وذلك لإدراك البلدين أهمية العمل المشترك بينهما وبما يعزز جهودهما الرامية إلى صيانة الأمن والسلم العالميين.. •• ومن الواضح أن هذه الجولات المتتابعة واللقاءات بين القيادات في البلدين تجسد مدى استشعار كل منهما للحاجة إلى الآخر تجسيدا قويا.. •• فالصين _حسب آخر الإحصاءات) تعتبر ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم وتستورد ما نسبته (20 %) من احتياجاتها النفطية من المملكة في الوقت الراهن.. وذلك يعني أن هذا البلد الكبير في هذا العالم يعتمد على المملكة في أعظم المصادر المحركة لنموه الاقتصادي وفي مشاريعه الضخمة للوصول إلى المقدمة ومنافسة الولاياتالمتحدةالأمريكية على المرتبة الأولى متجاوزا اليابان وبقية دول أوروبا الغربية بمراحل كثيرة.. •• وليس سرا أن نقول إن الصين أصبحت قوة نووية.. وصناعية.. واقتصادية قوية في هذا العالم.. وميزان تجارتها أخذ يرتفع بدرجات مذهلة مع الولاياتالمتحدة بصورة أساسية ثم مع سائر دول العالم الأخرى.. •• هذه المعدلات العالية في درجات النمو الصيني أدركتها المملكة منذ وقت مبكر.. وفتحت معها باب التعاون في العام (2004 م) بمنحها حق امتياز التنقيب عن الغاز لشركة (سينوبك) الصينية شراكة مع شركة أرامكو السعودية.. مما أدى إلى تطور هذا التعاون بين البلدين في العام التالي (2005 م) عندما دخلت أرامكو في شراكة مع نفس الشركة لإقامة مصفاة للنفط شمال شرق الصين.. وتواصلت الامتيازات المتبادلة بعد ذلك في إقامة مجمعات للبتروكيماويات والأسمنت في الصين.. •• وبالمقابل، فإن أسواق المملكة فتحت أمام المنتجات الصينية.. وتطورت أوجه التعاون في مجالات الاستثمار المشترك أو المتبادل بصورة ملموسة أيضا. •• وهناك تعاون أخذ يتبلور بقوة في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية وكذلك في مجالات الاستخدام السلمي للطاقة لتوجه المملكة الجاد نحو التوسع في هذا المجال لأغراض تنموية ومدنية بحتة.. •• فإذا أضيف إلى هذا أن البلدين (المملكة والصين) يمثلان عنصرين هامين في مجموعة الدول العشرين.. فإننا سندرك مدى أهمية زيادة معدلات التعاون بينهما في المجالات الاقتصادية والمالية والنقدية. •• أما على المستوى السياسي.. فإن الصين كعضو بارز في الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.. يعني بالنسبة لنا الشيء الكثير.. لأنها تمتلك حق استخدام الفيتو من جهة.. كما تمتلك حق الدفع بأي مشروعات من شأنها أن تصون الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم بدءً بالتعاون في مجال محاربة الإرهاب.. ومنع التعدي على سيادة الدول المستقلة.. •• ومن الأهمية بمكان.. بلورة سياسات تعاون مستقرة بيننا وبين بكين من شأنها أن تحقق مستوى أعلى من التعاون والتنسيق لمواجهة الأخطار المحدقة بمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.. والأزمات الراهنة على وجه التحديد.. •• وبكل تأكيد فإن هذه الزيارة ستسعى إلى بلورة مواقف مشتركة مع الصين من قضايانا الحيوية هذه وضمان مستويات أفضل من التحرك البناء لخدمة الاستقرار وتكريسه وإبعاد المنطقة عن التوترات على اختلاف صورها وألوانها.. •• ولن نستبعد أبدا أن تستثمر هذه الزيارة مشاورات عميقة وحثيثة تمت بين البلدين على مدى السنوات الأخيرة بهدف وضع حد للأخطار التي تهدد المنطقة، والدفع بالجهود نحو تحقيق سلام عادل وتسوية مقبولة بين العرب وإسرائيل تقوم على أساسها دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.. كما تؤدي إلى تحقيق الإرادة الدولية نحو انتقال السلطة في سوريا سلميا.. وتقود أيضا إلى منع التهديدات الناشئة عن استخدام الطاقة النووية في المنطقة لأغراض غير سلمية سواء من قبل إسرائيل أو إيران أو غيرهما.. •• هذه القضايا وسواها.. بالإضافة إلى تعزيز أوجه التعاون العسكري بين الرياضوبكين.. سوف تكون محل بحث مستفيض بهدف الدفع بالشراكة بين بلدينا في الاتجاه الذي أسس له الملك عبدالله بن عبدالعزيز في زيارته الأخيرة للصين عام 2006 م.. كما سبقت الإشارة.. وكذلك بعد زيارة الرئيس (هو جينتاو) للرياض في 10 فبراير 2009 م للمملكة وكذلك زيارة رئيس مجلس الدولة رئيس الوزراء الصيني السيد (ون جياباو) للرياض في الفترة الواقعة ما بين 14 و16 يناير 2012 م.. وهي الزيارة التي تم الاتفاق خلالها على: (1) تكثيف الزيارات المتبادلة الرفيعة المستوى والتشاور على جميع المستويات لتبادل الآراء حول مختلف المجالات والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين. (2) أهمية تعزيز التبادل الاقتصادي والتجاري والاستثماري بشكل فاعل وزيادة التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية بما يحقق تطورا شاملا لعلاقات التعاون القائم بين البلدين. (3) الالتزام بالصين الواحدة. (4) دعم وتشجيع التبادل الثقافي بين البلدين على المستويين الرسمي والشعبي، وتشجيع التبادل والتعاون بينهما في المجالات الإعلامية والسياحية والصحية والزراعية. (5) دعم التعاون في مجالات الشباب والرياضة والتعليم الفني والتقني بما يعزز التفاهم والصداقة بين البلدين والشعبين الصديقين. (6) شدد الجانبان على أهمية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل بكافة أنواعها، وأبدى الطرفان تأييدهما لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك الأسلحة النووية، وذلك طبقا للقرارات الدولية في هذا الشأن. (7) العمل على تعزيز التعاون السياسي في ضوء القانون الدولي لحل النزاعات الدولية القائمة في العالم بعامة والشرق الأوسط بخاصة بالطرق السلمية وتدعيم السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. (8) أعاد الجانبان تأكيدهما على أن الحل العادل الشامل للنزاع العربي الإسرائيلي المبني على قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة سيشكل الأساس الوطيد لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، وسيقضي على مصدر رئيسي للتوتر والتهديد للسلم والأمن الدوليين. وأكد الجانبان دعمهما لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، مؤكدين على أهمية مبادرة السلام العربية كما أقرتها قمة بيروت عام 2002 م وأكدت عليها قمة الرياض عام 2007 م وجرت الإشارة إليها في قرارات الأممالمتحدة والبيانات الصادرة عن اللجنة الرباعية الدولية. (9) شدد الجانبان على رفضهما القاطع للإرهاب بجميع أشكاله وصوره التي تهدد السلم والاستقرار في شتى أنحاء العالم واستعدادهما لتعزيز التعاون الأمني في هذا الصدد، واتفقا على أهمية تكثيف التعاون الدولي لمكافحته مهما كانت أسبابه. (10) اتفق الجانبان على أن زيارة دولته للمملكة سوف تعطي دفعة قوية لتطوير علاقات الصداقة والتعاون الدائمة. صداقة مكينة •• لذلك كله.. نستطيع القول.. إن هذا النمو المتدرج في العلاقات إلى أن بلغت إلى هذا المستوى قد فرضته مستويات عالية من الصداقة المكينة بين بلدين لهما مصلحة حقيقية في أن يكون كل طرف أولى بالرعاية لدى الطرف الآخر.. لاسيما أن علاقات المملكة والصين قد نبعت من احتياج كل منهما للآخر وأن هذا النمو لا علاقة له بالأحداث والتطورات المستجدة في المنطقة والعالم.. وأنها تتم في إطار التنوع الذي تفرضه مصالح الدول المستقلة في هذا العالم وتقود إليه خططها المستقبلية الراسخة لإسعاد شعوبها وضمان تقدمها على كل الأصعدة.. •• وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي يزور الصين للمرة الثانية بعد زيارته الأولى عام (1999م) عندما كان أميرا للرياض يستكمل بذلك جولته الهامة التي بدأت بباكستان في الفترة الواقعة ما بين «15 و17 / 2 / 2014م» واتجهت إلى اليابان بعد ذلك خلال الفترة من«18 /2 / 2014م وحتى 20 /2 / 2014م» وواصلت إلى الهند خلال الفترة من «26 /2 / 2014 م وحتى 27 /2 / 2014م» ثم انتهت إلى زيارة (المالديف) أخيرا.. ومنها إلى الصين الآن.. •• ومن المتوقع أن يتم في هذه الزيارة التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال علوم وتقنيات الفضاء.. •• وبحكم هذه الصداقة المتينة.. فإن المملكة حريصة على أن تساهم مع أصدقائها في منطقة شرق آسيا في تحقيق مستويات أعلى من التعاون بين دولها وشعوبها وبالذات بين الصينواليابان الصديقتين للرياض صداقة حميمية ومتينة.. وصولا إلى كل ما يخدم متانة العلاقة بين الجميع على أسس إيجابية وبناءة وبعيدا عن التوترات أيضا.. •• لكن ما يجب التأكيد عليه أخيرا هو: أن المملكة والصين يحققان بهذا التعاون ضمانة مشتركة لاستقرار حقيقي في منطقة تحتاج إلى الهدوء.. وإيقاف نزيف الدم ومواجهة المخططات الرامية إلى تصعيد حالة التوتر التي تسببت وتتسبب فيها إسرائيل من جهة.. وإيران من جهة ثانية وذلك لحاجة المنطقة إلى الأمان الحقيقي .. وتأمين مصالح دول العالم فيها على ضخامتها وتعددها وتنوع مصادرها.