يروى أن رجلا يدعى «بلال» وفد على عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل بخناصرة، فلزم بسارية من المسجد، فجعل يصلي إليها ويديم الصلاة، فقال عمر بن عبد العزيز للعلاء بن المغيرة بن البندار: إن يكن سر هذا كعلانيته فهو رجل أهل العراق غير مدافع، فقال العلاء: أنا آتيك بخبره، فأتاه وهو يصلي بين المغرب والعشاء، فقال: اشفع صلاتك فإن لي إليك حاجة، ففعل، فقال العلاء: قد عرفت حالي من أمير المؤمنين، فإن أنا أشرت بك على ولاية العراق فما تجعل لي؟ قال: عمالتي سنة، وكان مبلغها عشرين ألف ألف درهم، قال: فاكتب لي بذلك، فارقد بلال إلى منزله، فأتى بدواة وصحيفة فكتب له بذلك. فأتى العلاء عمر بالكتاب، فلما رآه، كتب إلى واليه على الكوفة.. أما بعد: فإن بلالا غرنا بالله، فكدنا نغتر، فسبكناه فوجدناه خبثا كله، والسلام. وردت هذه القصة في مصادر عدة، ونقلها أحمد زكي صفوت في كتابه القيم جمهرة رسائل العرب.. وهذا الكتاب من مباهج ما قرأت عمقا ووضوحا يشف عن حيوات كثيرة كانت تدور بين الحكام والوزراء وأهل الفقه والحديث والأدب.. شاهدي في الكلام ليس استظهارا وقراءة للكتاب ومضامينه، بل إشارة لأثر هذه القصة المعاشة في واقعنا الحاضر، حين يتخذ الإنسان لباس الدين من أجل الدنيا، ويتقلب بسبب هذه الرغائب الوقتية بين عدة مواقف، ويتلون تبعا لها على عدة ألوان.. يتبع هذا التقلب مشابك عدة، وسع منها الإعلام الجديد وأفرز بعض الذين فقدوا بوصلة الطريق الواضح، حتى تعصب لهم من تعصب وتدافع حولهم من تدافع.. وتاجر في فضائهم من تاجر. نعوذ بالله من شر الفتن وتوابعها.