أخيرا، صدر الأمر الملكي بالقائمة المنتظرة لتنفيذ الأمر الكريم رقم 44، ليحدد تلك المجموعات الخطيرة التي تقودها دوافعها الدوغمائية بجهالة لا تراعي قضايا الأمة المصيرية ولا سلامة أمنها جماعة وأفرادا. منذ وقت طويل، كنا ننادي بأن تراعي الأنظمة أن هذه المجموعات لا يمكن محاصرتها عبر قواعد سلوكية لا تتجاوز الصياغات اللغوية التي تعاني هي بذاتها من إشكاليات تقنية كثيرة، كمشكلة اتساع التفسير ومبدأ الشرعية وخلافهما من إشكاليات تبرز عند التطبيق. وأن الصياغات يجب أن تتسم بمرونة أكبر منعا للإفلات من الحساب والعقاب. وقد لا يدرك بعض المواطنين أن هناك مؤسسات خارجية إقليمية ودولية تعمل على استدراج العوام تحت مزاعم تستثير النوازع الدينية والسياسية بلا أرضية علمية ولا هدى ولا كتاب منير، وتستنفر فيهم طيشا بينا وهوى جامحا لزعزعة استقرار الدولة؛ وما ذلك من تلك المؤسسات إلا حسدا من عند أنفسهم، وهم يرون الدول من حول المملكة يتخطفها طير الفتن والإحن. إن قيادتنا الحكيمة، الصبورة؛ قد اتخذت قرارها بالوقوف إلى جانب الوطنيين المستنيرين من العلماء والأدباء والمثقفين الذين أظهروا أكثر من مرة، وفي أكثر من محفل ومقام انزعاجهم وتوجسهم الحقيقي المستند إلى أدلة وقرائن من تلك المشاريع الإرهابية التي تجري محاولات دؤوبة لغرس جذور لها في أرضنا الطاهرة، ولا سيما ونحن في عصر انفتحت فيه المؤسسات الحكومية والأهلية على بعضها البعض، لتقود المملكة طفرتها الثقافية إلى جانب الاقتصادية في منطقة الخليج. إن هذا الأمر السامي جاء ليؤكد حالة الانغلاق الفكري لهذه الجماعات، ما لم يؤثر فقط على الجانبين الأمني والاجتماعي، بل وحتى على الدين؛ فهذه الجماعات قد شوهت الإسلام تشويها ما كان لأعتى أعدائه أن يفعله، وأدت إلى تراجع نسبة الراغبين في اعتناق هذا الدين الحنيف، وصورت الإسلام كدين لا يملك أرضية للإقناع بصحته إلا أرضية حز الرقاب وتفجير الأسواق، وبث الرعب في قلوب المدنيين العزل، ما قوى من تيارات الإلحاد والردة، وربما يكون هذا تفسيرا بينا للمادة الأولى من القرار. بل إن الأدهى والأمر هو ما طال علماءنا الأجلاء من تعريضٍ بهم من قبل كل رويبضة من أدعياء هذه المجموعات الرعناء، حيث يلقي بفتاواه يمنة ويسرة، ليبلغ بذاك شهرة عند العوام، وهو يشتري ثمنا قليلا، وتكاثر الرويبضات حتى أحاطوا بالعلماء الأجلاء إحاطة السوار بالمعصم، وهم ينتقصون من قدرهم ويشككون في دينهم. وعلماؤنا الأجلاء الذين لا يفتون إلا عن بينة وعلم لا يجدون ما يحملونه على الروبيضات الذين يجترحون نفاذهم عبر استقطاع النصوص واجتزاء العلل. إن المملكة تسير في طريقها الصحيح، ونحن لا نثمن فقط على هذا الأمر، بل ندعو إلى المزيد، وندعو كافة المثقفين والعلماء وأساتذة الجامعات وشيوخ الفقه، إلى مساندته؛ ليس بالقول، وإنما بالنزول إلى منزلة التطبيق عبر نشره على مستوى الأفراد والأسر والعائلات والعشائر وسائر شرائح المجتمع، لتعميم فهمه. فالمرحلة القادمة هي مرحلة نشر الوعي، فهو السلاح الأمضى في مواجهة دوغمائية العنف.