لم تعد نية موسكو في استقطاع القسم الشرقي من أوكرانيا خافية على أحد، في السابق عبر كبار الدبلوماسيين الروس عن مطالبتهم في أن تصبح أوكرانيا فدرالية ويكون للأقاليم فيها بعض الحقوق في إدارة سياساتها الخارجية والاقتصادية وهذا ما استنكرته كييف مرارا وما حدا بها في إحدى المرات إلى استدعاء السفير الروسي لديها. اليوم ومع اشتعال الأزمة الأوكرانية يتبع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سياسة الأمر الواقع لفرض مخططات موسكو فأرسل قوات إضافية إلى شبه جزيرة القرم حيث حاصرت المليشيات التابعة له المواقع والقواعد العسكرية الأوكرانية وقامت الأقليات الروسية بالإيعاز منه في مختلف المناطق الشرقية الأوكرانية بإنزال علم البلاد ورفع العلم الروسي واعتقد بأنها الحركة الأصعب والأقسى التي ستكون علي الأوكرانيين. المتابع لمجريات الأحداث ما قبل فبراير ومنذ انفصال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي يعلم أن موسكو استعملت الاقتصاد لتعزيز الانقسام في أوكرانيا فإن الضغط التي مارسته لمنع كييف من الدخول في شراكة حقيقية مع الاتحاد الأوروبي ما هو إلا لجعل أوكرانيا وخاصة المناطق الشرقية منها تعتمد اقتصاديا على التبادل التجاري مع روسيا فقط وبذلك أصبح الثقل الصناعي الأوكراني من التركة السوفيتية واستحوذت على أكبر الشركات وأهم رجال الأعمال في المناطق الشرقية فيما غدت كييف والمناطق الغربية ضعيفة اقتصاديا وبذلك أضعفت موسكو السلطة المركزية. وبالمال سعرت موسكو الخلافات بين من هم شرق نهر دنيبر المؤيدين لها ومن هم في غرب النهر المؤيدين للاتحاد الأوروبي فدعمت الأحزاب الشيوعية والاشتراكية التي تسيطر على معظم المناطق الشرقية والتي ترفع الشعارات السوفيتية البائدة كوجوب الاتحاد مع روسيا ونشر الأدبيات المناهضة للخصوصية في الهوية الثقافية الأوكرانية وبالتركيز على رفض التحدث باللغة الأوكرانية والاستعاضة عنها باللغة الروسية في المناطق الشرقية. وللتذكير فإن اللغة الروسية كانت أنجح وسيلة في فرض الترابط بين الشعوب والاثنيات المختلفة التي عاشت في ظل الاتحاد السوفيتي سابقا فاليوم لاتزال موسكو تعتبر تنشيط ودعم اللغة الروسية لاسيما في وجه اللغات المحلية في الجمهوريات السوفيتية السابقة ضرورة استراتيجية. لم يكن تغير العقيدة القتالية للجيش الروسي مع فلاديمير بوتين والتي ضمت حماية الأقليات الروسية إلا أداة في يد موسكو للتدخل العسكري في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وهكذا تستغل روسيا ديمغرافية أوكرانيا لاسيما شبه جزيرة القرم والتي يشكل السكان الروس أكثر من 58% من تعداد سكانها البالغ مليوني نسمة... وبما أن موسكو تقبلت مداولة النقاش الدبلوماسي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتشكيل مجموعة اتصال بدأت بذلك «التمطيط» الدبلوماسي ولكن الاقتصاد والمطار الأوكراني في يد موسكو وبعض من الجنرالات الموالين للنظام الروسي فلا التلويح بالرفض والشجب من الإليزيه سيوقف الزحف الكامل الروسي على «القرم» أوكرانية ولا التسعون دقيقة من محادثة الرئيس أوباما مع الرئيس بوتين ستغير من الطمع الروسي في إعادة تموضعها السياسي في العالم. موسكو اليوم توقع على مسودة الضعف الأمريكي في الأزمات المتتالية الدولية فالحل دائما مع القوي لكن هل روسيا باتت هي الأقوى التي ستحكم العالم وتزيح الأمريكي المتربع على العرش والويل ثم الويل للأزمة السورية إن سقطت مرة أخرى أوكرانيا في الفك الروسي.