طالب العلماء المشاركون في المؤتمر العالمي الثاني «العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول»، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي، النظام السوري بتنفيذ القرارات الدولية ونقل السلطة إلى هيئة حكم انتقالية تجمع الشعب السوري وتحافظ على وحدته وتوقف المجازر والتدمير الذي يتعرض له، معربين عن عميق الألم والحزن لما يجري في سورية من أحداث، مستنكرين ما يحدث في مدنها وقراها من مذابح مروعة راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء، الذين سقطوا بسبب تجبر النظام السوري وسكوت العالم عن مظالمه التي أسهمت فيها بعض الدول والأحزاب التي دأبت على تمزيق الأمة بالطائفية والعصبية المقيتة. جاء ذلك في البيان الختامي الذي أعلن في جلسة ختامية ترأسها سماحة مفتى عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وطالب إيران بمراجعة مواقفها في نصرة النظام السوري، والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية في بعض الدول الإسلامية؛ لما في ذلك من تفريق لصف الأمة، وإشاعة الاختلاف والتحزب الطائفي البغيض الذي يستنزف مقدرات المسلمين، ويغرقهم في لجج النزاعات الطائفية، كما طالب بضرورة إخراج المليشيات الطائفية من سورية. وحث المؤتمر مؤسسات العمل الخيري على مضاعفة جهودها في إغاثة السوريين في الداخل والخارج، وأهاب بعلماء الأمة أن يقوموا بواجبهم بالإسهام في علاج ما يجري في سورية والوقوف مع شعبها المنكوب. كما أكد المؤتمر على أهمية الالتزام بالشريعة الإسلامية والرجوع إليها في علاج القضايا المختلفة التي تواجه المسلمين، مطالبين حكومات الدول الإسلامية بإنشاء مؤسسات ومراكز تعنى بنشر ثقافة الوسطية. وأكد المؤتمرون على ضرورة الإصلاح في المجتمعات الإسلامية، ومواجهة التدخلات الخارجية في شؤون البلدان الإسلامية؛ ما يكرس الفتن الداخلية، مطالبين الدول الإسلامية بالتصدي لذلك، ومواجهة الدعوات والتدخلات التي تثير الفتن الطائفية بين شعوب الأمة. وحذر المؤتمر من دعاوى الطائفية البغيضة التي تغرس العداء بين المسلمين، وتشيع ثقافة الكراهية، وتفكك النسيج الاجتماعي. وطالب الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بتكوين لجنة إسلامية للوئام؛ تكون مهمتها التنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني لتحقيق السلم الاجتماعي الذي يحصن المجتمعات الإسلامية من النزاع والفتن الطائفية، ويقطع الطريق أمام محاولات إثارة الشقاق بين المسلمين. وأوصى المؤتمر رابطة العالم الإسلامي بتكوين هيئة حكماء من شخصيات إسلامية بارزة تسعى إلى تحقيق المصالحة بين الأطراف الإسلامية المتنازعة وفق شرع الله، وأن تضع الرابطة مشروعا واضحا لعمل هذه الهيئة، يعرض على المجلس الأعلى للرابطة لإقراره. ودعا المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي إلى إقامة ندوة علمية متخصصة في «فقه السياسة الشرعية»، وتبصير الشباب المسلم بالنوازل الحادثة، وتجلية المفاهيم الإسلامية كالولاء والبراء، والجهاد وبيان مسوغاته وأحكامه ومقاصده وآدابه. وأكد على ضرورة دعم جهات الإفتاء والدعوة في العالم الإسلامي؛ لتقوم بواجبها في توعية الأمة، ودعوتها للاستمساك بثوابتها المحكمة، ودعا إلى إنشاء مراكز ومعاهد لتكوين العلماء والفقهاء، تعنى بالنابهين من أبناء المسلمين، وتكون محاضن جادة لتأهيل الفقهاء لمعالجة واقع المسلمين ومستجداتهم على نور من فهم السلف الصالح. وطالب المؤتمر العلماء بالتعاون مع حكوماتهم وقاداتهم في إصلاح أوضاع المجتمعات، وإيجاد الآليات المناسبة التي تعين على إقرار الأنظمة التي لا تتعارض مع الإسلام. والعناية بالقضاء وتوفير الضمانات لمحاكمات عادلة وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وإنشاء محكمة العدل الإسلامية الدولية التي أكدت عليها مؤتمرات القمة الإسلامية وتوصيات المجامع الفقهية. وضرورة تعزيز الحوار الإسلامي الإسلامي؛ من أجل إصلاح البيت المسلم، وفق ما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين في خطابه لرؤساء بعثات الحج في عام 1429ه، وعقد المناشط والمؤتمرات والمنتديات الخاصة بهذا الحوار، مع التأكيد على أهمية مشاركة علماء الأمة وقادة الرأي فيها لبحث القضايا الخلافية، للتوصل إلى كلمة سواء، وقرر المؤتمر تكليف رابطة العالم الإسلامي باعتبارها ممثلة للشعوب والأقليات المسلمة بإعداد برنامج متكامل لعقد هذه المناشط؛ استثمارا لتجربتها الناجحة في الحوار بين أتباع الأديان والثقافات. ومواجهة كافة أنواع التعصب؛ مذهبية أو حزبية أو عرقية أو لغوية؛ في المجتمعات الإسلامية، والتأكيد على أسس الوحدة الوطنية ورعاية الأخوة الإسلامية، ورد المختلف فيه إلى الكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح؛ مع مراعاة أحكامه وآدابه. وطالب المؤتمر بالاستفادة من المشروع الناجح الذي دعمته المملكة العربية السعودية في توزيع لحوم الأضاحي والهدي على فقراء المسلمين في العالم، والتعاون في ذلك. والشروع في إنشاء السوق الإسلامية المشتركة، وفق ما صدر من قرارات في ذلك. كما دعا المؤتمر مؤسسات الإعلام والثقافة في الأمة الإسلامية إلى مزيد من العناية بحماية الثقافة الإسلامية مما يتعارض معها، وإنشاء بدائل إسلامية لبرامج التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، والتحذير من مخاطر ما تبثه على العقائد والقيم. كما طالب المؤتمر رابطة العالم الإسلامي بإنشاء مركز للبحوث والدراسات الاستراتيجية، يضطلع بقضايا المسلمين ومشكلاتهم الملحة، ويقدم الخطط والحلول المناسبة من خلال دراسات علمية رصينة تجمع بين الرؤية الشرعية والتخصص المعرفي. ودعوة المراكز البحثية الإسلامية إلى التنسيق والتكامل، والنظر في الأولويات والنوازل والأمور العامة للأمة، وعدم الانشغال بالموضوعات الجزئية. ووضع استراتيجية تعليمية وتربوية واضحة بين الدول الإسلامية جميعا؛ تعمل على توحيد معايير مَنح الشهادات العلمية، وتعتني باللغة العربية، وتسهل فهمها والتعامل بها، لتكون نواة للوحدة اللغوية والفكرية بين الشعوب الإسلامية. وتشجيع الابتكار وتحويل المخترعات إلى منتجات صناعية تسهم في التنمية المحلية، ودعمها، وحمايتها، وتذليل الصعوبات التي تعترض وصولها إلى السوق العالمية. واستعرض المؤتمر عددا من قضايا الشعوب الإسلامية، وأوصى رابطة العالم الإسلامي بتكوين لجنة خبراء من الرابطة والمنظمات الإسلامية الكبرى، لمتابعة توصيات مؤتمرات القمة الإسلامية، وبخاصة مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائي الرابع لبحث تحقيق «التضامن الإسلامي»، والعمل على تحويل تلك التوصيات إلى مشروعات عملية تلبي حاجة المسلمين في الميادين الاقتصادية والسياسية والإعلامية والاجتماعية. وبحث المؤتمر الظروف الصعبة التي تعاني منها بعض الدول والشعوب الإسلامية، فقضية فلسطين هي قضية المسلمين جميعا، مطالبا المنظمات الإسلامية والدولية ببذل ما تستطيعه في حشد الدعم الدولي لمواجهة مشروع تهويد القدس والأقصى وانتهاك العهود الدولية والسياسية والثقافية في ذلك، ومنع المتطرفين اليهود من العدوان على المسجد الأقصى وعلى المصلين فيه، وتوفير الضمانات لحمايته من مخططات هدمه. وطالب المجتمع الدولي ومنظماته بالتأكيد على عدم مشروعية المستوطنات والتجمعات السكانية في مدن فلسطين وقراها، ومنع بناء المزيد منها. وأكد المؤتمر على ضرورة وضع برامج عملية لدعم صمود المقدسيين، وتمكينهم من مواجهة مخططات الكيان الصهيوني في الحصار والعزلة عن العالم الإسلامي، وأوصى الرابطة بعقد مؤتمر خاص بقضايا القدس والمقدسات الإسلامية في فلسطين. ودعا الإخوة الفلسطينيين إلى إنهاء الخلافات بينهم، وأعرب عن قلقه تجاه الأوضاع المتردية في قطاع غزة بسبب استمرار الحصار عليه، ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لإيقاف اعتداءاتها الصارخة وإنهاء حصارها للقطاع وفتح المعابر، والإفراج عن الأسرى، ودعا الدول الإسلامية والهيئات العاملة في مجال الإغاثة إلى تقديم المزيد من المساعدات للشعب الفلسطيني. كما حذر المؤتمر من خطر تأجيج الدعوات الطائفية في لبنان، وتداعيات تدخل ما يسمى (حزب الله) في سورية على لبنان، وطالبه بالانسحاب الفوري من سورية، والكف عن الممارسات الطائفية المستفزة، وأهاب بالحكومة اللبنانية بذل الجهد لإبعاد لبنان عن الفتن والسعي إلى تحقيق مصالح شعبه. ودعا المؤتمر الأطراف السياسية في العراق إلى التفاهم على بناء عراق موحد يحفظ لجميع طوائفه الدينية والعرقية حقوقهم على قدم المساواة، وينبذ التوجهات العرقية والطائفية، ويوقف التدخلات الخارجية المغرضة التي تسببت في إثارة الفتن والقلاقل التي أعاقت التنمية والاستقرار، واتجهت بالعراق نحو الفرقة والتمزيق وإراقة الدماء. وأكد المؤتمر على أهمية تعاون شعب اليمن مع حكومته في استقراره والمحافظة على وحدته، كما اعرب المؤتمر عن قلق المسلمين في العالم للمجازر الدامية التي وقعت على المسلمين في ميانمار، واستنكر سياسة ميانمار في التمييز والاضطهاد للمسلمين، وطالب منظمات حقوق الإنسان بالقيام بواجبها في حماية مسلمي ميانمار. وكذلك أعرب المؤتمر عن قلقه مما يجري في إفريقيا الوسطى من أحداث مؤلمة، ودعا الدول الإسلامية إلى العمل لوقف المجازر المروعة التي يتعرض لها المسلمون في إفريقيا الوسطى، ودعا رابطة العالم الإسلامي إلى تكوين وفد إسلامي لزيارتها ودراسة أسباب الأحداث ووقائعها وعرض الحلول لها. وفي ختام المؤتمر، أقر «ميثاق التضامن الإسلامي»، وأكد المشاركون أهمية رفعه إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وأملهم أن يبذل حفظه الله جهوده لدى قادة الدول الإسلامية لدعمه والاهتمام بتنفيذه، وأكدوا على أن تقوم رابطة العالم الإسلامي بتكوين لجنة متخصصة لوضع برنامج تفصيلي للميثاق، يحقق ما تتطلع إليه الشعوب الإسلامية، وأن تستعين بمن تراه في ذلك، وأن تكون وفدا إسلاميا يعرف بالميثاق في المجتمعات الإسلامية. وأكد المشاركون في المؤتمر على أن آمال المسلمين تتطلع وكلها ثقة إلى خادم الحرمين الشريفين أيده الله في مواصلة جهود المملكة العظيمة في دعوة الفرقاء المتنازعين في المجتمعات والدول الإسلامية إلى مكةالمكرمة، والإصلاح بينهم بجوار بيت الله الكريم، كما حصل مع الأفغانيين والفلسطينيين وغيرهم فيما مضى. وأوصوا الرابطة بإنشاء «جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود للتضامن الإسلامي»، وأن تقدم للشخصيات والهيئات التي لها جهود متميزة في تحقيق هذا المطلب النبيل. وأكد المؤتمر على أهمية أن تعد الرابطة لعقد المؤتمر الثالث «العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول» بمزيد من الدراسة المعمقة لأحوال العالم الإسلامي وتقلباته ومستجداته، وأن تكون لجنة متابعة لما صدر عن هذا المؤتمر، لتحقيق الخطوات العملية لتضامن المسلمين واجتماع كلمتهم وتحذيرهم من الفرقة وإثارة النزعات الطائفية وتكامل جهودهم ومؤسساتهم الرسمية والشعبية في ذلك. ورفع المشاركون الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والنائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود؛ على جهود المملكة العربية السعودية في دعم التضامن الإسلامي وتعزيز مناشطه، والاهتمام بقضايا المسلمين، وما تقدمه من خدمات للحجاج والمعتمرين، وما تبذله من جهود في الحرمين الشريفين والمشاعر، وما تقدمه من مساندة لرابطة العالم الإسلامي في تحقيق أهدافها ورعاية برامجها.