إذا كانت روسيا الاتحادية تلعب بأوراقها الرابحة في الشرق الأوسط، المنطقة المحسوبة إجمالا على الولاياتالمتحدة منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث تسجل موسكو نقاطا في سوريا ومصر، فتستعيد زخم علاقاتها مع هذين البلدين الاستراتيجيين، كما كانت عليه إبان الحرب الباردة أو هي على وشك أن تحقق ذلك، فإن الولاياتالمتحدة تلعب بأوراقها الرابحة في الفناء الخلفي لروسيا التاريخية، وأهمها على الإطلاق أوكرانيا، التي من دونها لا يمكن إحياء الدور الروسي كقوة عظمى، وبها تزداد الاحتمالات، فيما واشنطن على وشك أن تحرم موسكو من هذا الحلم، مع انقسام هذا البلد بشكل حاد على أي وجهة هو موليها، الشرق الروسي أم الغرب الأوروبي- الأمريكي. وإذا كانت الدبلوماسية الروسية قد أنجزت خطوات مهمة في إثبات وجودها في العالم القديم من خلال عرقلة الحل السياسي في سوريا، وبناء أمجادها على مآسي الشعب السوري على مدى ثلاث سنوات كاملة، فإن هذه الدبلوماسية تجد نفسها عاجزة عن حل المشكلة العويصة في أوكرانيا التابعة لنفوذها تاريخياً منذ أيام القياصرة، رغم ضخ المليارات في اقتصادها المنهار لمنع كييف من الانضمام إلى المنظومة الاقتصادية والعسكرية للغرب، أي الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي. لقد ظلت أوكرانيا خاضعة لحكم الكرملين ثلاثة قرون متواصلة، وكانت تدعى «روسيا الصغيرة» في أيام القياصرة. بل إن بوتين نفسه قال للرئيس السابق جورج بوش، وفي اجتماع لحلف الناتو عام 2008، إن أوكرانيا ليست بلدا حقيقيا. وبالمقابل، فإن الغرب يريد دمج أوكرانيا للقضاء على الحلم الإمبراطوري الروسي حتى إن مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق زبغينيو بريجسنكي كتب عام 1997 في كتابه «لعبة الشطرنج الكبرى» أنه بدون أوكرانيا ستتوقف روسيا عن أن تكون إمبراطورية. لكن بعد الإنزال العسكري الروسي في القرم.. هل تغامر روسيا بوقوع أوكرانيا في الاحتراب الذي ستكون له تداعيات هائلة في أوروبا وروسيا نفسها؟.. لقد بدا بوتين غير مبالٍ بما قد تسفر عنه الأحداث، بينما ازداد قلق الأوروبيين من وصول النار مجددا إلى حدود اتحادهم الاقتصادي، وهو لم يشفِ بعد من آثار الأزمة المالية الطاحنة منذ عام 2008. لكن ما هو مؤكد أن اندلاع النار كذلك في الفناء الخلفي لروسيا لن يكون أمرا هينا أو قليل الخطورة استراتيجيا.