إن تزايد متابعي مسلسل «تكي» اليوتيوبي الشبابي السعودي، الذي يخرجه الشاب محمد مكي، وبلغت حلقاته حتى الآن 15 حلقة متصلة منفصلة لا تتجاوز مدة كل حلقة 10 إلى 15 دقيقة، بين فئة الشباب السعودي يوما بعد يوم، مؤشر قوي وحقيقي على ملامسة المسلسل للواقع وقربه من روح مشاهديه دون مبالغات درامية أو تجاوزات سلبية. والحلقات تحكي قصة شاب يحلم بأن يصبح مخرجا سينمائيا في بلد لا يوجد فيه هذا الفن بشكل مؤسس ورسمي، وذلك من خلال علاقات صداقة مجموعة من الشباب والشابات تعكس تعاملهم مع بعضهم، وتتناول المشكلات التي يواجهونها، والسلوكيات الخاطئة التي قد يسلكها بعضهم ومناقشتها في إطار يبتعد عن الوعظ الفج أو الوصاية المثالية المتعالية، وبحيث تطرح الحلقات قضايا مختلفة، وأحداث واقعية في المجتمع السعودي بمدينة جدة على وجه الخصوص.. وتنطلق قصة المسلسل بشاب معجب بفتاة تعمل مقدمة برامج، ويكتشف لاحقا أنها خطيبة صديقه.. وتتوالى الأحداث. هكذا يرسم الخط الرئيسي للمسلسل غير أنه تدور قصص فرعية حول هذه القصة الأساسية مع بعض الإضافات من وحي الخيال الممكن حدوثه، ما عزز قرب العمل من قلوب مشاهديه، ودعمه في ذلك اندماج أبطال المسلسل في العمل والأداء الطبيعي ليمنحه الكثير من المصداقية والحميمية، فالمواقف التي تحدث عنها المسلسل هي ما يحدث مع فئات مختلفة من الشباب في المجتمع السعودي، وهي تتعالق في عمقها بالثقافة والمفاهيم السائدة وبالحراك الاجتماعي بشكل عام. ولا بد من التنويه هنا بأن عنوان المسلسل مفردة شعبية عامية مشتقة من الفصحى بمعنى الاتكاء والجلوس باسترخاء، فعندما يمر أحد الشباب على آخرين جالسين يتجاذبون الحديث يبادره أحدهم بأن "تكي" معنا، أي أجلس معنا أو الذهاب إلى مكان ما للترفيه، كأن يقول أحدهم امشي نتكي في مقهى أو مجمع تجاري.. وما إلى ذلك. على أية حال، تختلف قصص المسلسل الواحدة عن الأخرى، وهو في حلقاته يقدم حكايات بسيطة بحبكة درامية تقترب كثيرا من لغة السينما، بل إن المشاهد المتأمل وغير المتابع للحلقات منذ بدايتها يمكنه مشاهدة أية حلقة على أساس أنها فيلم قصير قائم بحد ذاته، ولا سيما أن التشويق يلعب دورا كبيرا في سياق المسلسل ويفتح المجال لتفاعل المشاهدين من خلال طرح الأسئلة، أو من خلال التعليقات أسفل الفيديو والتواصل مع أبطال العمل، الذي أتاحته شركة يوتيرن المنتجة للمسلسل. وإذا كان أبطال المسلسل من فئات شبابية وأعمارهم تتراوح بين 22 و28 سنة، فهم قادرون ليحكوا وجهات نظر شبابية حقيقية، وتقوم الممثلة الشابة خيرية أبو لبن بدور البطولة هي ومؤيد الثقفي، وبقية الممثلين الذين يلعب كل واحد منهم دور شخصية تجسد فئة مختلفة من فئات شباب المجتمع السعودي. وتبدأ الحلقة الأولى بشاب يدعى «مالك»، لعب الدور مؤيد الثقفي، يجلس ذات مرة في إحدى مقاهي جدة برفقة أصدقائه الثلاثة، ويلتقي بالشابة «بيان»، التي كانت تصور فيلما وثائقيا في المقهى، وعند الانتهاء من التصوير تنتظر سائقها خارج المقهى، فتتعرض لمضايقات من مراهقين مارة، ما يضطرها للركوب مع «مالك» لإيصالها إلى البيت. تجلس «بيان» في المقعد الخلفي، فترى كتابا تعجب به، فيصر عليها «مالك» أن تأخذ الكتاب لقراءته. وهكذا تنطلق القصة في إيقاع متسارع وبأداء تمثيلي غير متكلف، الأمر الذي أضفى مصداقية فنية وجعل للمسلسل جاذبية جعلت المشاهدين يترقبون ظهور الحلقات أولا بأول، فمنذ انطلاقة أول حلقة في 20 فبراير 2012م وحتى الحلقة 15 في يوليو 2013م لم يفقد المسلسل بريقه وجاذبيته، وذلك يعود لذكاء مخرجه محمد مكي الذي لا يتجاوز عمره 24 سنة، وهو خريج جامعة الملك عبدالعزيز، وكان عمل على إنتاج أفلام قصيرة، وشارك من خلالها في مهرجان الخليج السينمائي في دبي عام 2009، وفاز بالمركز الثالث، وبعد سنة شارك في فيلم آخر في مسابقة الشباب للأعمال التنافسية في الفن والإبداع في السعودية. وحصل على المركز الأول في مسابقات محلية. ويتشابه جوهر قصة مسلسل «تكي» مع قصة حياة محمد مكي حسب ما صرح في بعض اللقاءات ليصبح عملا سينمائيا جديرا بالمشاهدة، ولا سيما للجمهور من خارج السعودية، فهو يعرض الحياة اليومية لشباب وشابات المملكة، بحيث يتمكن أي شخص في العالم يتواصل عبر الإنترنت من معرفة آمال وتطلعات هذا الجيل الجديد.