الحياة لا تتوقف عند نقطة ولا يمكن للإنسان التكهن بما سوف يحدث في اليوم التالي أو بعد عام أو حتى بعد ساعة. هذه حقيقة لا يدركها الكثيرون فهناك منهم للأسف من يخطط لحياته لعشرين سنة مقبلة وكأنهم على إدراك بما يحدث يوم غد. أكبر دليل بأننا لا نملك الغيب ولا ندركه. ما حدث للطالبة سارة من قسم الكيمياء في الجامعة فهي أصغر إخوانها من زوجة والدها الثانية حيث تزوج أباها الأولى وأنجب منها خمسة أولاد فتوفيت وبقي الأب حوالى عشر سنوات بلا زواج، ثم تزوج أم سارة فأنجبت له ولدا وثلاث بنات وقبل ولادتها بشهر أنجب أخي الأكبر من زوجة الأب الأولى ابنه البكر فصارت سارة معه مثل الأخ لم تشعر يوما أنها عمته.. وواجهت سارة مشكلة في أول يوم عند التحاقها بروضة الأطفال. ما هي هذه المشكلة؟ كنت أكرة الدراسة ليس لسبب محدد فقط لأن معلمتي في أول يوم سألتني عن اسمي فلزمت الصمت فقالت لي أمام زملائي هل أنت خرساء أم انقطع لسانك، فكرهت الدراسة والمدرسة والروضهة وكل ما له علاقة بالتعليم. كيف واجهتِ الموقف العصيب؟ عدت إلى المنزل أبكي وقررت عدم العودة إلى الروضة مجددا ولحب والدي الشديد لي أخبر أمي بأن تتركني ذلك العام دون دراسة على أن أعود في العام المقبل. ومنذ ذلك اليوم أصبحت بطيئة في الرد على أي سؤال حتى لو كان السؤال سهلا ويسيرا، وإن كنت أعرف الإجابة أستغرق دقائق للرد على السؤال حتى انتهى العام. ذلك يعني أنك عدتي للروضة مرة أخرى؟ نعم عدت ولكن بذات الإحساس والكراهية رغم أن تلك المعلمة لم تكن موجودة ولكن كلمتها مازالت ترن في أذني علي الرغم من أن معلمتي الجديدة كانت رائعة لكنها لم تنجح في إزالة رواسب الماضي وكرهي للروضة والتعليم. كنت أبكي كل صباح وكان والدي يرق علي في أغلب الأحيان ويسمح لي بالتغيب رغم إصرار أمي على ذهابي. كان والدي يقول لها سوف تتغير مع مرور الأيام عندما تكبر ومضت سنوات الروضة على هذا النحو أذهب يوما وأتغيب عشرة حتى اقتربت مرحلة الابتدائية. هذا هو سرنا هل استمرت العقدة في المرحلة الابتدائية؟ نعم بل زادت لأن الطالبات في تلك المرحلة يبحثن عما يضحكن عليه وكنت للأسف تلك المضحكة، فأصبح كرهي للمدرسة يزيد يوما بعد يوم برغم تحسن مستواي وقدرتي على استيعاب الدروس والنجاح في الإجابات على الورق فقط. ولكن بمجرد سؤالي عن أي شيء ألزم الصمت لفترة طويلة قبل أن أجيب ولم تكن المعلمات يصبرن علي كثيرا فصرت أضحوكة وسط زميلاتي الطالبات حتى أصبحن ينعتنني بالمتلعثمة وأنا لست كذلك.. فزاد كرهي وزاد غيابي عن المدرسة وأصبحت أتلقى إشعارات من المدرسة بشكل مستمر بسبب الغياب. وكيف تصرفت إدارة المدرسة معك؟ ذات يوم استدعتني مديرة المدرسة وكانت سيدة فاضلة عرضت علي مساعدتها ومرت سنوات المرحلة الابتدائية أنجح بتفوق لأن الاختبار كتابة ولست مضطرة للحديث والتعبير الشفهي وبعد انتهاء الابتدائية كان علي الانتقال إلى المتوسطة. ثم ماذا بعد؟ ظلت مشكلتي قائمة وعند منتصف العام أخبرت والدي بأني لن أكمل الدراسة فغضب، وضربتني أمي فامتنعت عن الطعام حتى ساءت حالتي الصحية ونقلت إلى المستشفى فزارني ابن أخي الذي يكبرني بشهر. كنت أنظر إليه وأبكي ورغم صغر سنه إلا أنه كان مرتبطا بي بقوة فعقله يسبق سنه فجلس معي حتى ذهب الجميع فسألني عن سبب رفضي للمدرسة فأخبرته بما حدث لي وكأنني أكشف السر لأول مرة عبرت له عن دواخلي فواساني قائلا: هل تتوقعي أن تلك المعلمة مازالت تتذكرك فقلت له بعد فترة صمت كعادتي: لا. فقال: لماذا إذن تتذكرين ما قالته. سألته كيف الخلاص؟ فأخبرني بأن هذا هو سرنا سوف نحله نحن دون مساعدة من أحد فوافقت. الحل السحري كيف توصل ابن أخيك إلى الحل السحري للمشكلة؟ كان يزورنا يوميا ويجلس معي بمفردي ويطرح علي أسئلة عادية جدا ويطلب مني الإجابة عليها وكان يشجعني. في البداية كان الموضوع بالنسبة لي صعبا للغاية كلما أتذكر ما قالته تلك المعلمة القاسية.. في نهاية الأمر نسيت إحساس الطفلة وتشجعت وأجبت على أسئلته بجرأة وتحسن وضعي كثيرا أفضل من الصف الأول المتوسط ولكني أعدتها بشكل أفضل وأقوى وكان ابن أخي معي لا يتركني يوما كنا نستذكر معا حتى تجاوزت المتوسطة. وماذا عن المرحلتين الثانوية والجامعية؟ أكملتهما بتفوق كبير وتخصصت في قسم علمي وزالت مشكلتي تماما والفضل لله ثم لابن أخي واستمر معي يأخذ بيدي كلما أشعر بالضعف أو عندما أتذكر تلك الجملة البائسة من المعلمة غير المسؤولة. وصلت للجامعة في قسم الكيمياء، والدراسة فيه بالإنجليزية ومازال سرنا الصغير بيننا.. ابن أخي كان سبب نجاتي من الفشل.