كانت المتاجرة بالدين إحدى الوسائل التي انتهجتها الجماعات الإسلامية الحركية لتثبيت وجودها في الشارع، ولما للناس من ميل فطري لكل ما يتعلق بالدين اكتسبت شخصيات تلك الجماعات الحركية وهجا جماهيريا وتصديقا لكل المقولات التي يتفوهون بها من على المنابر وكانت المباركات والتأييد حاضرين لأن كل امرئ سوف يسعد أن يجد نفسه أو ابنه أو أخيه يسير في درب الهداية والدعوة، وفي ظل هذا المناخ الدعوي لما يحبه الله ويرضاه تخالط بمجتمعنا جماعات ذات أهداف سياسية تستهدف تقويض أنظمتها وكانت أشهر تلك الحركات (جماعة الإخوان) الذين تستروا بالدعوة وأضمروا الأهداف السياسية ومع ترحيب البلاد بوجودهم بيننا منذ عقود طويلة حدث أن اختطفوا الدعوة (فتاريخيا لم يحدث انقسام بين رجال الدعوة إلا مع تواجد (جماعة الإخوان) وسعيهم إلى الانقضاض على أي سلطة يصلون إليها. والكثير يتذكر جملة الملك عبد العزيز عندما صدهم عن مطامعهم السياسية، وكانوا متواجدين في كل فاصلة يقف قبلها أو بعدها حدث داخل البلد حتى أن حركة جهيمان في نشأتها الأولى كان بها (جماعة الإخوان) كمؤسسين (مع إخوان من طاع الله) وتاريخيا أيضا هم من أسس القاعدة عن طريق عبدالله عزام واستمروا في إحداث تقسيمات وتحزب داخل رجال الدعوة لدينا مع المناداة بالتغلغل والتمكين ومن أجل الوصول إلى الأهداف البعيدة فحدث شرخ كبير بين الدعويين وبدأ الاستقطاب وتفتيت الدعوة بالتحزب والانقسامات والتحريض فحدث انشقاق اجتماعي ودعوي داخل صفوف الدعوة، وظهرت جملة علماء السلطة وهي الجملة التي أرادت إقصاء هيئة كبار العلماء والتأسيس لعلماء الفتنة لكي يكون لهم وجود وأتباع، وجعل كلمتهم هي الماضية والمصدقة ومحاولة تثبيت علماء بعينهم بأنهم هم الوحيدون من يناصرون الحق. فمر بنا زمن أطلقوا عليه زمن الصحوة تم فيه استلاب واختطاف المجتمع كاملا، وكان دعاة الصحوة يؤلبون الناس في كل مكان ويحرضون شبابنا للخروج والقتال في أطراف الدنيا، وكان ظاهرا أن دعوتهم دعوة سياسية ارتدت لباس الدين وأحدثت شرخا اجتماعيا كبيرا أدى إلى فصل المجتمع وتمزيق طبيعته المسالمة (انظروا ما الذي حدث في مصر وكيف تم تغيير نفسية الإنسان المصري المسالم وتحويله عن طبيعته المسالمة إلى الطبيعة العدوانية المحبة للقتل والحرق) وفي زمن الصحوة اختطفت طبيعة البلاد في معاشها وعباداتها وتنوعها وأحدثوا الفرقة بين أفراد المجتمع بتصنيفات وتهم جاهزة، كان تبنيهم للدعوة يدل على الخير ظاهريا بينما باطن تلك الدعوة استهداف تقويض السلطة وتقويض المجتمع... وكثيرة هي التجارب المأساوية التي عبرناها وكان واضحا أن الحركات الإسلامية المتشظية في المشهد الدعوي تميل إلى التقويض ومناصرة أي حدث يحدث التقويض أو يقربه، وقد تكون أهم علامات مناصرة التقويض الصمت عما تفعله القاعدة وإن ظهر أحدهم مجبرا لانتقادها أوجد لأفرادها العذر في قول مخبأ أو سبب معلق حتى التفجيرات التي عبرتنا من خلال العمليات الإرهابية كان الموقف منها موقفا باردا ومسالما ولم يقل أحد منهم إن من كان يقوم بالأعمال الإرهابية داخل البلد إنما جاء من بعثة الجهاد (المزعوم) الذي دفع إليه شبابنا ترغيبا وتقريبا للجنة، فيذهب الشباب ويعودون محملين بأفكار ضد البلد والمجتمع، ولأن أولئك الشباب ألفوا القتال والاحتراب يتحولون إلى مقوضين لأمن البلد من خلال أعمالهم الإرهابية التخريبية .. إن خروج شبابنا للقتال في كل موقع تشب فيه حرب لا يحدث إلا من خلال محرضين وكان الصمت على تسرب الشباب للقتال في البلدان البعيدة والقريبة يخلق أضرارا عدة منها : دفع الشباب إلى معارك الغير، قتل شبابنا في معارك لصالح أجندة سياسية، اعتقال شبابنا في السجون وما ينتج عنه من إرهاق لذويهم وللدولة، إدخال الدولة في إحراج سياسي، عودة الشباب للديار برغبة مواصلة الجهاد المزعوم .... كل تلك المآسي كان لابد من اتخاذ قرار يوقف نزيف الدم المجاني. وبالأمس جاء الأمر الملكي ليوقف الاستهتار بدم أبناء الوطن ويوقف الاستهتار بموقع الدولة بين الدول وإحراجها المستمر ويوقف (أيضا) المحرضين عن غيهم. ولو أن الدماء الشابة التي سفكت في أراضي معارك الغير تم تهيئتها لأن تكون لبنة من لبنات بناء الأمة لكان الخير عميما، أو ليس كل من سد ثغرة من احتياجات المسلمين يكون في جهاد؟. كيف لو أن كل الشباب الذي دفع به لإزهاق روحه تم إعداده لأن يكون عالما أو طبيبا أو مهندسا أو طيارا أو محاميا أو مهندسا أو جيولوجيا أو صيدليا أو فلاحا أو سباكا أو حدادا، أليس في هذا خير عميم للأمة بدلا من إزهاق الروح من أجل قضية سياسية لا تخص إلا أبناء منطقتها... بقي أن يعتذر كل من دفع بشبابنا لتلك الحروب على الأقل يطيب خاطر ذوي القتلى والمعتقلين بدلا من مواصلة الاستكبار الذي هم عليه.