لا يعرف أي منا ما سيسطره القدر في مقبل الأيام، ولا أحد يدرك ما ستنطوي عليه الأيام من أحداث ومواقف ومسارات ربما تغير حياته وتقلب صفحاتها رأسا على عقب، صحيح أن سطور الحياة فيها الحلوة والمرة، سلبا وإيجابا ولا يدرك الإنسان حقيقة الأشياء إلا بعدما تتكشف الحقائق وتتبدد العتمة ويدرك الإنسان أن كان هو على خطأ أو صواب. في رحلة إكمال نصف الدين وشراكة الحياة أحداث ومواقف ومنعرجات وها هي هويدا تروي حكايتها حيث كتب لها القدر الزواج دون أن تخطط أو ترتب له حسب تعبيرها، تقول لو سعيت لهذا الأمر لما تحقق مطلقا لكن الله القادر الكريم يفعل ما يريد، فقد ذهبت ذات يوم مع أسرتي إلى مطعم لتناول طعام العشاء في عطلة نهاية الأسبوع، أذكر أن ذلك اليوم صادف الإجازة الصيفية وأنا في الصف الثالث ثانوي. رسالة على الهاتف تواصل هويدا: جهاز هاتفي الجوال كان مدعوما بتقنية البلوتوث حيث تطوعت إحدى قريباتي بتحميل البرنامج على هاتفي ولم أكن ذات خبرة في استخدامه والتعاطي معه بصورة صحيحة، كنت في المطعم مع أسرتي وفوجئت برسالة على هاتفي برمز فقط، لم أكن على دراية أن صاحب الاسم شاب أم فتاة، وفوجئت بفحوى رسالته عن رغبته في التعرف علي، ولأنني لا أجيد التعامل مع هذه التقنية انسحبت إلى دورة المياه لمحادثة ابنة عمي لتعرفني على الطريقة المثلى للرد والتعليق، وبالفعل أعلمتني الطريقة ونجحت في إضافة الاسم، وطوال العشاء ظلت نظراتي تتنقل بين الطاولات ما بين نساء ورجال وشباب وشابات وأتساءل عن صاحب الرسالة رجل أم امرأة وأين هو في هذا الجمع الكبير؟. رجل أم امرأة تروي هويدا: فرغنا من تناول وجبة العشاء في المطعم وعدت بلهفة إلى المنزل وحدثت ابنة عمي بما جرى فأخبرتني عن كيفية التواصل مع صاحب الرسالة، وبدأ حوار نصي طويل بيننا دون أن يفصح لي عن هويته إن كان شابا أو شابة، وللأسف كنت بسيطة الفهم والإدراك لا أقول الغباء فقد ظللت أجيب على كل أسئلته بلا تحفظ أو تردد حتى إنني حددت له مكان جلوسي في المطعم وسنة دراستي ووضع أسرتي، واستمرت المحادثات فترة طويلة أكثر من سبعة أشهر حتى أنه عرف عني كل شيء وكل الذي أعرفه عنه إنه موظف وغير مرتبط، وأسأله إن كان رجلا أو امرأة فلا يجيب وأحيانا يقول لي لا يهم إن كنت رجلا أو امرأة فالجميع سواء المهم المعدن. نقاش موضوعي لم ترفض هويدا ولم تتضجر من تصرفات محدثها فقد ظلت مقتنعة بكل مناقشاته وتضيف: عندما كنت أسأله عن مشكلة حدثت لي مع أسرتي كنت أجد الجواب الكافي عنده في ثوان قليلة، فكنت أقتنع برأيه وأنفذه. وقبل الاختبارات النهائية للثانوية العامة حسمت أمري وقررت معرفة إن كان رجلا أو امرأة فوعدني بالحقيقة الساطعة حال نجاحي، فتقدمت للاختبارات وانتظرت النتيجة بفارغ الصبر ليس لأعرف النتيجة بل لأعرف هوية الطرف الآخر المجهول الذي ظل يتواصل معي لمدة عام، وبمجرد معرفة أني نجحت أرسلت له أبلغه بالنبأ السعيد وأسأله عن هويته، فقال لي عديني بعدم التغير وتبدل المشاعر مهما حدث، فوعدته بلا تردد ودون تفكير فكل ما يسكن تفكيري ذلك الوقت هو أن أعرف من هو، فأرسل لي رقم هاتفه وطلب مني أن أتصل به، فلم أتردد بل اتصلت فورا وصعقت عندما أجاب علي رجل. لا تغلق الخط أول كلمة قالها لا تغلق الخط فقد وعدتني، فبكيت بشدة في ذلك اليوم ولم أعرف سببا لبكائي حتى الآن فأخذ يهون علي الأمر ويبسطه ويخفف من وقعه، مؤكدا أنه لا يريد أن يؤذيني فلو كان كذلك لفعل منذ عام وهو يعرف عني كل شيء، فاستمر يحدثني حوالي الساعة وأنا أبكي وأستمع حتى توقفت عن البكاء، فقال لي الآن أنت مخيرة أما الاستمرار أو الانسحاب من حياتي وإذا قررتي الاستمرار فسيكون بشرع الله ثم أغلق الخط، أمضيت أسبوعا لا أحدثه ولا يحدثني كنت في داخلي أنتظره ثم قررت بأن أحدثه واتصلت عليه فأجاب فقلت له لا تتوقع أني أهين نفسي باتصالي بك، فأجاب بل زاد احترامي لك بهذا الاتصال فليس من العيب أن تبادر الفتاة، ولا فرق بين شاب وفتاة إذا كان التفكير صحيحا والنوايا صادقة. تحدثنا في كل شيء وأخبرني كل شيء عن نفسه تحدث عن نظرته لي وأنا في المطعم، وجلوسنا وأنه ظل يفكر كيف يتوصل لي وكانت هذه الطريقة هي الأولى من نوعها التي يستخدمها وكانت تجربة مصحوبة بدعاء وأصابه. تستطرد هويدا: أمضينا نحو شهر في الحوار ثم أخبرته بموافقتي على الزواج منه فقدم من منطقته إلى منطقتي لأنه من خارج المدينة التي أسكنها وتم عقد القران ولم أشترط عليه إكمال دراستي، وتزوجنا وبعد مرور عام من زواجنا أصر علي إكمال دراستي الجامعية فتهربت من الموضوع لكنه حسم الأمر حتى سجلت في الجامعة وتخصصت في قسم علم اجتماع، وأنا الآن أسير في نهاية طريقي الدراسي وحياتي رائعة لا شك فيها أو تخوين أو متابعة منه لي، فقد أيقنت بأن الشخص ذا الأخلاق الجيدة لا يكترث لطريقة الزواج ولكن بمن يتزوجها!.