يصارع خالد الناصر من أجل الخروج من حلقة مفرغة من الديون دخلها منذ سنوات عدة، لكن دون جدوى، وما يؤلم الناصر أن غالبية ما اقترضه من البنوك أنفقه في احتياجات كمالية، كان بإمكانه الاستغناء عنها، كشراء سيارة فاخرة، على الرغم من أن لديه مركبة كانت آنذاك تفي بالغرض، إضافة إلى اقتراضه لقضاء جزء من إجازته السنوية في الخارج، حتى تكالبت عليه الديون والفوائد، وبات عاجزا عن سدادها. وقال الناصر «لو عاد بي الزمان إلى الوراء لما اقترضت، من أجل أمور كنت في غنى عنها، فانا أشعر بالندم على الخطوات التي اتخذتها دون أن أحسب عواقب الأمور»، ملمحا إلى أنه بات يجد صعوبة في تدبير شؤون حياته، خصوصا أنه لا يصله من راتبه الكبير سوى القليل بعد أن تستقطع البنوك الفوائد. ويمثل الناصر نموذجا لشريحة كبيرة في المجتمع السعودي، وقعت ضحية للقروض التي تقدمها البنوك من خلال عروض ظاهرها فيه الرحمة وباطنها كثير من الألم والمعاناة. «عكاظ» فتحت ملف القروض الاستهلاكية والبطاقات الائتمانية التي يقدمها الممولون والبنوك، فطالب عدد من المواطنين بتكثيف التوعية عن أضرار هذه القروض على المجتمع، وتوريط الكثيرين فيها، مشددين على أهمية تفعيل دور الجمعيات التعاونية، والحد من نشاط البنوك في هذا الجانب. أرجع أديب المحيميد الإقبال الشديد على القروض البنكية إلى ارتفاع الأسعار، لافتا إلى أنه لا تكاد تجد موظفا في القطاع الحكومي أو الخاص إلا واقترض مع انتشار التسهيلات الكبيرة التي تقدمها البنوك، وتزايد المؤسسات والمحال الخاصة بالتقسيط. وبين أن المشكلة تكمن في أن الشباب يقترضون من أجل أشياء ثانوية وليس ضرورية، من باب المفاخرة والاستعراض، ملمحا إلى أن هذا الإجراء خطير لأنه يدخل المقترضين في حلقات مفرغة لا يمكن الخروج منها. ورأى أن عدم التوعية وجهل المستهلك بعواقب القروض الاستهلاكية وراء وقوع كثير من المواطنين في شباك البنوك، مشيرا إلى أنها في البداية تسعى لإقناع العميل بأخذ القرض والتوقيع على الأوراق الخاصة به، ومن ثم يكتشف أنه تورط في فوائد مركبة وكبيرة على القرض الاستهلاكي. وبين أن الدول المتقدمة تقدم التوعية الكاملة للمستهلكين، إضافة إلى الحماية والدعم الكامل لهم مما يضمن حقوقهم بشكل كامل، قبل الحصول على القروض، متمنيا تدارك الوضع سريعا قبل أن يتفاقم الوضع في المجتمع. بدوره، اعتبر مصطفى المعيرفي الذي يعمل في بنك محلي استخدام فئة كبيرة في المجتمع البطاقات الائتمانية كارثة اقتصادية تدخل المستهلك في دوامة من الديون، وتجعل المواطن أسيراً لهذه البنوك، ملمحا إلى أن القروض جعلت جزءا كبيرا من المواطنين مرتهنين لدى البنوك خصوصا أن الفوائد تتجاوز 20 %، على الرغم أنها في الظاهر توفر السيولة المباشرة للمستهلك. وشدد على أهمية أن يطلع المقترض على الشروط التي تقدمها البنوك كافة، ويقرأها بدقة إضافة إلى التأكد من ضرورية الاقتراض مثل تسديد المخالفات المتراكمة أو شراء منزل وعدم صرفه في أشياء غير ضرورية مثل السفر أو شراء السيارات الفخمة، ناصحا بالإقبال على نظام الجمعيات التعاونية والتي تضمن عدم وجود فوائد. ووصف رائد الحربي القروض الاستهلاكية ب«شر لابد منه»، خصوصا أن أي موظف راتبه لا يتعدى 10 آلاف شهريا لا يستطيع توفير الاحتياجات الأساسية والحياتية مع غلاء الأسعار، ما أجبره على الاقتراض، مشددا على أهمية الرقابة على مؤسسات الاقتراض ووضع أسقف معينة لنسب الفوائد. إلى ذلك، وصف عبدالعزيز الدويرة إقبال كثير من المواطنين على القروض الاستهلاكية لتوفير بعض الحاجات الكمالية ب «الخطأ»، الذي يؤدي إلى كثير من الأضرار في المجتمع، لافتا إلى أن ثقافة الاقتراض باتت تسيطر على المواطنين، ما يدخل كثيرا منهم في متاهات الديون والاستمرار فيها لأمد طويل. وبين الدويرة إن الجهات التي تقدم القروض الشخصية تعد فرصة للكسب ولو كان على حساب المستهلك، ملمحا إلى أن جهات الإقراض ليست مقتصرة على البنوك بل هناك جهات أكثر منها تؤدي هذا العمل كما تأخذ أرباحا وفوائد أكثر مما تأخذه البنوك، مطالبا جهات الاختصاص بتوعية أفراد المجتمع نحو تقدير احتياجات القروض الشخصية. من جهته، رأى عبد العزيز الضبعان أن غياب الجانب الشرعي عن هذه القضية كان من الأسباب التي أدت إلى تساهل الناس في قضية القروض وعدم إدراك التبعات المترتبة عليها، مطالبا بتسليط الضوء على الأدلة الشرعية التي تحذر من هذه القروض، من حيث الأصل. وأشار إلى أن الجهل بالحكم الشرعي له دور كبير في إقبال الناس على القروض، ملمحا إلى أن أرصدة البنوك والممولين تضاعفت بفضل القروض التي يقدمونها للمستهلكين. وشدد الضبعان على أهمية توعية المجتمع بالآثار السلبية للقروض من قبل الجهات المسؤولة ذات العلاقة سواء الشرعية أو المصرفية مبينا أن عدد المقترضين يزيد عاما بعد آخر. في حين، ذكر أحمد الفرحان أن جهات التمويل والبنوك والمكاتب التي تعمل في هذا الشأن أغرت المواطنين بالحصول على القروض من دون الحاجة إليها من خلال الإعلانات ورسائل الجوال والعروض المخفضة التي تصل أحيانا لدى بعض هذه الجهات إلى واحد بالمائة إضافة إلى إعطاء قروض إضافية ومنح تسهيلات أسهمت في زيادة إقبال المواطنين على الاقتراض. واتفق عبدالله السيف مع المطالبين بتكثيف التوعية بأضرار الاقتراض عبر وسائل الإعلام والمحاضرات العامة وخطب الجمعة، مؤكدا أن جهات التمويل تتوسع وتحرض بشكل علني على تفشي ظاهرة الاقتراض لتصبح ثقافة حياة يومية لمجتمعنا. وأكد السيف أن كثيرا من الأشخاص يقترضون من أجل أمور تافهة أو سطحية كالسفر أو شراء سيارة فارهة، عازيا تزايد القروض الشخصية إلى الثقافة التي تبثها إعلانات الممولين، ما جعل الدَين سهلا للغاية وميسرا للجميع إلى جانب تركيز غالبية المجتمع إلى الأمور الترفيهية والكمالية وتصويرها أنها من ضرورات الحياة فضلا عن حمى التباهي بين شرائح المجتمع حيث استغلت بعض جهات التمويل شيوع هذه الثقافة لأكبر درجة. بينما، أفاد عبدالله البراهيم أن بعض جهات التمويل تستغل جهل العامة من الناس والبسطاء إضافة إلى أن الموظف يحاول أن يحقق الهدف في تسويق أكبر قدر ممكن من بطاقات الائتمان، مرجعاً سبب ذلك إلى ضعف ثقافة حماية المستهلك، وقلة اهتمام «جمعية حماية المستهلك». في حين، حذر سعيد الغامدي من إقبال أفراد المجتمع على القروض الاستهلاكية دون الحاجة إليها، مستغربا الاقتراض من أجل اقتناء كماليات مثل سيارة فاخرة، على الرغم من أن المقترض لديه سيارة تفي بالغرض. وطالب الغامدي الجهات المختصة بتكثيف التوعية بين المواطنين من أخطار القروض الاستهلاكية، إضافة إلى الحد من نشاط البنوك والممولين في هذا الجانب، على الرغم من صعوبة هذه المهمة. فيما، دعا ناصر سعيد إلى تفعيل دور الجمعيات التعاونية التي تقدم القروض دون فوائد، مشيرا إلى أن هذا الإجراء مهم جدا في حماية المواطنين من الدخول في ديون هم في غنى عنها. وروى معاناة أحد أقاربه يعيش حتى اللحظة في حلقة مفرغة من الديون، اقترضها من أجل شراء لوازم كمالية ليس في حاجة لها.