محافظ الطائف يناقش احتياجات سكان المراكز الإدارية التابعة للمحافظة    الأمير بندر بن سعود: دعم القيادة للتعليم صنع نموذجاً يُحتذى به عالمياً    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية الوقاية من الجريمة (أمان ) بالمنطقة    محافظ الزلفي يدشّن اسبوع البيئة تحت شعار بيئتنا كنز    محافظ الطائف يناقش إستراتيجية دعم وتطوير أداء الجهات الحكومية    بلدية محافظة الشماسية تشارك في معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية    أمير الرياض يرعى احتفال بنك التنمية الاجتماعية بمرور 53 عاماً على تأسيسه    نظام للتنبؤ بالعواصف الترابية    %57.5 من السعوديين تستهويهم الموسيقى والرياض الأكثر انجذابا    الحوثيون يلوثون آبار الشرب    غروسي يشيد بأجواء المفاوضات الأمريكية الإيرانية    حرب الكبار تتصاعد : بكين تتوعد واشنطن بالعقوبات    تعزيز التعاون الأمني السعودي - العراقي    رقم قياسي لبنزيمة مع الاتحاد    محافظ الطائف يرعى بعد غدٍ ملتقى "افهموني" بمناسبة اليوم العالمي للتوحد    أكثر من 2500 جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة عقلة الصقور    "تعليم الطائف" تحتفي باليوم العالمي للغة الصينية    أمير القصيم يكرم الطلبة والمدارس بمناسبة تحقيق 29 منجزًا تعليميا دوليا ومحلياً    فرص الابتعاث الثقافي في قطاع السينما    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يتفقد فرع المدينة المنورة    فوائد اليوغا لمفاصل الركبة    مستشفى خميس مشيط العام يُفعّل "التوعية بشلل الرعاش"    قطاع ومستشفى البرك يُنفّذ فعالية "خطورة استخدام المضادات الحيوية"    قطاع ومستشفى بلّسمر يُنظّم فعالية "اليوم العالمي لشلل الرعاش"    الذهب يتجاوز 3400 دولار للأوقية    ساعة الصفاة    الهلال الأحمر: فتح التطوع لموسم الحج    رئيس الشورى يعقد جلسة مباحثات مع رئيس الجمعية الوطنية الباكستانية    جيش الاحتلال يدفع بمقاتلين من لواءي «غولاني» و«غفعاتي» إلى غزة    مركز الدرعية لفنون المستقبل يفتتح معرضه الثاني "مَكْنَنَة"    إرث «الليث» بريشة الفليت    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    "تمكين الأوقاف" تحتفي بتخريج دفعة الزمالة المهنية    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفيري المملكة في الأوروغواي الشرقية وموزمبيق    ولادة مها عربي في القصيم    في الشباك    العميد يقترب من الذهب    محميات العلا.. ريادة بيئية    التسمم الغذائي للأسماك.. الوقاية تبدأ من الشراء    حرس الحدود ينقذ مواطنًا من الغرق بالمدينة    الهلال يتعثر بالتعادل أمام الشباب    الحريد من المحيط إلى الحصيص يُشعل شواطئ فرسان    وزير الطاقة يستقبل السكرتير التنفيذي لدولة رئيس الوزراء الهندي    القبض على مقيم ومواطن لنشرهما إعلانات حملات حج وهمية    لماذا لا نقرأ    سما بنت فيصل تشكر القيادة لتبني ودعم مبادرة رسل السلام ب 50 مليون دولار    زيارة رئيس قطاع بلديات منطقة الرياض لمحافظة السليل    رؤية جديدة لمؤسسة الإنتاج والبرامج المشتركة    أمير الرياض يضع حجر الأساس لمشروعات تعليمية في جامعة الفيصل بتكلفة تتجاوز 500 مليون ريال    إصابة بطلق ناري في أمريكا كل 30 دقيقة    يدّعي وجود قنبلة على السفينة لمنع خطيبته من السفر    نيابةً عن سمو ولي العهد.. وزير الرياضة يتوج "أوسكار" بجائزة السعودية الكبرى stc للفورمولا1    مجتبى إلى القفص الذهبي    تكريم الفنان إبراهيم الحساوي في مهرجان أفلام السعودية    شارع الأعشى (1 – 2)    احترام «المساحة الشخصية» ليس رفاهية    أخضر 17 وصيفًا لكأس آسيا    التفاخر بالتبذير وتصوير الولائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدينة كتاب .. ثقب أسود في رئة الوجود
نشر في عكاظ يوم 01 - 02 - 2014

ارتبط الكتاب ارتباطا وثيقا بمدن بعينها. لازمتهم ولازموها. منحتهم شخوصها وأمكنتها ومنحوها المجد الأدبي شعرا ورواية وقصة.. صعدوا بها من الواقع إلى الخيال. نقلوا واقعها بمنظور وحساسية منتمية تارة ومتمردة تارة أخرى. جيمس جويس مع دبلن بول أوستر مع نيويورك نجيب محفوظ مع القاهرة أورهان باموق مع اسطنبول وفرناندو بيسوا مع لشبونة وسيلين مع باريس.. ماهي المدينة التي تسري دماؤها في نصوصك؟ ولماذا ارتبطت أساسا بهذه المدينة؟ ما هي الظروف التي ساقتك إليها؟ وما هي تجلياتها في كتابتك؟ ولماذا كتبت عنها دون سواها؟ هذه أسئلة ضمن أخرى، نحاول استقصاءها عن علاقة الكاتب بمدينته التي اختارها فضاء لتشييد عوالمه الأدبية.
هنا القاص والروائي إسماعيل غزالي يستعيد ملامح هذه المدينة:
ثمة مدينة سديمية تسكن الخلفية الشبحية لتخييل قصصي ورواياتي، مدينة ليست أحادية الشكل والمعنى. ليست واقعية تماما وإن كان حضورها الفعلي له وجود حقيقي. أجل متخيلة هي المدينة التي تنتصب كمصدر عجائبي هائل لكتابتي السردية.
بالتأكيد أنحدر من مدينة صغيرة أشبه ما تكون بقرية جبلية ذات اسم غريب «مريرت» وعلاقتي الأنطولوجية بها هي علاقة ميثولوجية أكثر منها علاقة واقعية. ليس هناك وشائج أمومية تربطني بالمكان وأزليته. بل محض وشائج رمزية يغذيها الخيال والحلم بقدر لامحدود من الغرابة. لا ليست غرابة الحلم والخيال، بل غرابة الحياة اليومية نفسها. ثمة مدينة أطلسية متخيلة، ذات هندسة منفلتة، لا ترتهن إليها علاقتي الطفولية ب«مريرت» وحدها. بل مجمل المدن التي عبرتها وكان لاصطدامي بها حكاية مريبة عززت حكايتي بالمدينة الضخمة الأصل الموجودة في خيالي فقط.
وإن كانت خلقتي الغجرية لا يروق مزاجها إلا للمدن النهرية، والغابوية أو المدن المنتصبة على حافات الخلاءات الضارية بما فيها القرى الطاعنة في النسيان، فثمة مدن ملعونة لم أقم فيها طويلا، كان لحظوة عبوري فيها الظفر بموجز تاريخها، مغربية، عربية، إفريقية وأوروبية .
إنها برغم الاختلاف الدامغ بين أشكالها، بين روائحها، بين عنف تجاربها وغوايات الحياة السرية الكامنة في شوارعها الخلفية. هي في المحصلة تقوي بتعددها الشرس العلاقة المفتوحة والمبهمة بالمدينة الرمزية الأصل. المدينة المتغولة في خيالي وخيالي لا غير .
ثمة مدن لم أزرها فعليا أيضا تجمعني بها علاقة قوية وغريبة أكثر من مدن عرفتها ولم تستطع أن تدمغ ذاكرتي بأثر جليل. مدن سافر إليها خيالي أعرف خارطاتها السرية، شارعا شارعا، زقاقا زقاقا، بيتا بيتا، غرفة غرفة، شرفة شرفة، وحديقة حديقة.
مثل هذه المدن العجيبة التي لم تطأها قدمي واقعا، عشت فيها تجارب على سبيل التخييل وكانت هذه التجارب بمثابة واقع مضاعف.
لا مدينة إذن ، رسمية وواضحة، ذات مرجع وثيق. بل مكان متعدد ومتشعب الهوية يشمل كل الجغرافيا السحرية (بالمعنى العجائبي) للأطلس المتوسط غير المرئي، ولا يقتصر الأمر على حدود الأطلس المتوسط بل يشمل فضاءات مدن وأمكنة مغربية أخرى وعربية وإفريقية وعالمية. فحين يتعلق الأمر بالأطلس المتوسط واقعا واختلاقا ، فالكتابة كأنها تؤطلس العالم . وحين يتعلق الأمر بالأمكنة الأخرى ، واقعا أيضا واختلاقا ، فالكتابة ليست محض نزهة ، أو يحكمها منطق سياحي بليد، بل مغامرة تمحو الوجود الفعلي لأطلسيتي ومغربيتي وإفريقيتي ، بلى هي انخراط لا مشروط، بمجازفة حرة داخل تجربة انسانية وجمالية مغايرة ، نقيضة ومفتوحة. وفي كلتا التجربتين محليا وكونيا، تنتصب مدينة واحدة هائلة تستمزج كل هذا التعدد اللا نهائي. هناك مدن أيضا لا وجود لها إلا في حكايات كتاب ملاعين. مدن مجنونة وسريالية صنعها كتاب أشاوس تبدو أشد واقعية من التي تشبهها أو تحيل عليها. دخول هذه المدن المختلقة في تجارب هؤلاء الكتاب، لا يفترض سهولة في الخروج منها. فنحن نعيش فيها للأبد حتى وإن كنا لا نعي ذلك. مدن لا يمكن الخلاص من بلاغة هندستها الشاهقة ومتاهة علاماتها الداغلة وغواية رموزها المتضاربة مهما كانت مدمرة وبشعة ومفزعة.
هناك مدن لا وجود لها أصلا، ربما غير مرئية على طريقة إيطالو كالفينو، منذورة للسفر المتاهي. تتناسل فيها الرؤى الدوامة كلعبة كابوسية لا شاطئ لتداغل مويجاتها الصاخبة .
مدن أشبه بنساء خرافيات ، غائرة وشومهن في ذاكرة اللحظة المارقة ، يلمعن كنجوم في غسق الفراغ الأبدي.
مدن تضاعف من الرصيد المتعدد واللا نهائي للمدينة الواحدة التي تسكن هاوية الخيال الخاص.
هذا التعدد اللانهائي المريب ، يذكرني بقصة للأرجنتيني بورخيس، حول رجل انهمك وقتا طويلا برسم خارطة للعالم واكتشف قبل موته أنه رسم وجهه في الأخير.
فكيفما كانت العلاقة بالمدينة أو المكان، ديدالوسية، استغوارية، اختلاقية، اختراقية، استعادية، تكرارية، أيقونية، طقوسية، انشطارية، عمودية،
وافتراضية ...الخ، يبقى عمل الكاتب إزاء مدينته المبتكرة منطويا على خطورة مزدوجة، يشبه في صورة من الصور، عمل بطل قصة بورخيس الملمع إليها أعلاه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.