تتعدد الخطابات الفكرية في العالم العربي، وتختلف التيارات السياسية والأيديولوجية ما بين يمين ويسار. هذه التيارات لها الكثير من الأطروحات التي تدور حول مفاهيم الدولة والمجتمع، وتتحرك في إطار شمولي تتصارع فيما بينها لفرض هيمنتها على المجتمعات، إلا أن القاسم المشترك فيما بينها غياب الإنسان من المشاريع النهضوية. الحزبية السياسية تطغى على كل ما يدور في الساحة العربية، فالخطاب الإسلامي يحاول فرض هيمنته وأيديولوجيته الحزبية بمفاهيم مثل البيعة والجهاد وغيرها، والخطابات القومية تطرح أفكار النضالية والتقدمية، وخطابات الحريات تطرح تجذير سلطة الدولة الحديثة على المجتمع، وفي كل هذه الخطابات تبقى قضايا الإنسان الحقيقية غائبة عن الممارسة اليومية والاشتغال الفكري رغم أنه الهدف التي تدعي كل تلك التيارات تحقيق مصلحة الإنسان. لماذا كان الإنسان غائبا عن الممارسات الفكرية لهذه التيارات؟ أليس هدف الدولة والأفكار أن تختصر مسيرة الإنسان إلى حريته؟ الفيلسوف كانط كان يعتبر أن غاية الأخلاق هي القيمة الإنسانية، فإلى أي مدى تتحقق الإنسانية في هذه الخطابات. يبدو أن الحزبية طغت بوصفها وسيلة على الغاية التي من أجلها جاءت لذلك، فكل أيديولوجيا لا تضع نفسها وسيلة لتحقيق الهدف الإنساني حتى بنقد ذاتها فإنها لا تعدو أن تكون تيارا سلطويا داخل المجتمع.