وحده الوجع يستطيع أن يحول الإنسان إلى مشروع كتابة ونزف.. وحده الوجع قادر على إنتاج كتابة مثخنة بالقصص والحكايات الأليمة، وحده الوجع قادر على فعل أشياء كثيرة، لكنها طبيعة الآلام والأحزان التي تبدأ كبيرة يصعب احتمالها ثم تعود صغيرة متناهية، لكنها تترك بصماتها العميقة في الوجدان، ولعل الكتابة إحدى هذه البصمات، وهنا أقصد الكتابة بمفهومها الأدبي والإبداعي.. الكتابة والوجع علاقة تقوم على البناء وعلى المحو.. لكن الكتابة حالة متفاعلة مع لحظة وجع.. أقول ما أسوأ أن تتحول مجرد نزهة برية إلى ذاكرة سوداء ولادة ما أن تنتهي حتى تبدأ من جديد؟. (لمى الروقي) طفلة تبوح للرمل بحكايات الثلج وأغنيات المطر.. تقطف من الغيم لثغة، وصورة منطفئة للقمر.. كانت البئر غادرة، والريح تعصف بأغصان الشجر؟! ومؤخرا، برزت إعلاميا بشكل غير مسبوق حادثة (الطفلة لمى الروقي) طفلة الوادي السمر بمنطقة تبوك، والتي لم تنته بعد عمليات انتشالها من غيابة الجب، فالوضع يزداد تعقيدا يوما بعد آخر، صحيح أن والدها تلقى العزاء لكنه عزاء!! عظم الله أجره حين قابلته في بيت من الشعر بالقرب من عمليات الحفر كان مؤمنا بالله رابط الجأش، وكنت قبل أن ألتقي به كان الحزن يحيط بي، لكنني حين رأيته صابرا تجاوزت معه حالة الحزن إلى حوار العقل. ورغم أن الفاجعة كبيرة ورغم صعوبة الموقف كان القضاء والقدر هو سيد الموقف، فانشغل الرأي العام إن صح التعبير بالحادثة وفتح الحديث مصراعيه واختلط العمل الإعلامي المهني بغير المهني، وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي بحدوث فوضى في تعاطي الحادثة.. ولعل إدارة أزمة الحادثة بمنطقة تبوك لم تكن موفقة بالشكل الكافي، فكان البعد الإعلامي والبعد الإنساني والبعد الاجتماعي يزداد مع اتساع دائرة البحث وصعوبة الموقف، وكانت تحتاج إلى توحيد مصادر الخبر والمعلومة الدقيقة صحيح أنه لا يمكن السيطرة على رأي عام عاطفي في ظل تأثير(تويتر والفيس بوك والواتساب)، ولكن كان بالإمكان التعامل مع مصادر الأخبار وتوجيهها باتجاه إيجابي موضوعي سيقلل دون شك من حدوث تلك الفوضى العارمة التي تناولت حادثة الطفلة لمى، وتسببت بإضرار نفسية واجتماعية لذويها، لكنها في الوقت ذاته كشفت عن حدوث خلل ما في كيفية إدارة الأزمة رغم الجهود الكبيرة على مسارات كثيرة بالمنطقة. ورقة أخيرة: أرتل لصوتك بعض أغنيات المطر وأرسم لك نهرا وسنبلة ولوحة بيضاء للقمر غريبان نمضي بلا نهر