إنها الحياة.. لا تسير على وتيرة واحدة طوال الوقت.. فهي تحمل كل يوم شيئا جديدا ربما كان جيدا طيبا ومألوفا وربما كان غير ذلك سيئا ومقيتا.. ومع ذلك لا توجد أيام متطابقة في كل شيء فالحياة حلوة ومرة.. الطالبة مريم شاهر من قسم علم اجتماع المستوى الثاني في الجامعة قالت إن والدها عاش في قرية صغيرة لا تعليم فيها، كل سكانها يعملون في الزراعة وتربية الماشية وتظل البنات حبيسات المنازل لمساعدة أمهاتهن في أعباء المنزل وهمومه اليومية من حياكة الصوف والتنظيف ورعي الماشية إلى أن تتزوج الفتاة في سن مبكرة.. هذه هي عجلة الحياة في تلك القرية حيث لازم والدها والدته مثل باقي إخوته.. كان والدها محبا للتعليم ولكن ظروفه لم تسمح بأن يتعلم فكان يقرأ ويكتب حسب إمكانياته وقدراته البسيطة المتواضعة.. فإلى بقية القصة على لسان مريم شاهر في حوار «عكاظ» معها. • هل انتقل والدك بسهولة إلى المدينة؟ وما سبب تنقله؟ - لم يحدث نقله بسهولة، ليس بسبب اعتراض أعمامي وأقاربي لكنه لم يكن يعرف شيئا عن المدن لم يكن يعرف غير قريته الصغيرة، فاضطر أن يترك والدتي عند أهلها ليأتي إلى المدينة ليتدبر ماذا يعمل وأين يسكن. وكانت أمي في ذلك الوقت حاملا في شهرين ولحسن حظ والدي أنه وجد رجلا طيبا لديه محل لبيع أدوات السيارات فعلمه طريقة البيع والشراء فعمل عنده. في بادئ الأمر كان ينام في المحل حتى وجد له صاحب المحل سكنا مكونا من غرفتين وحمام ومطبخ وعندها عاد للقرية وأحضر والدتي. كان هدف والدي من الانتقال أنه يريدنا أن نتعلم فما حرم منه وهو التعليم يريد أن يعوضه فينا. • وماذا حدث بعد ذلك؟ - أنجبت أمي.. وكان وليدها الأول بنتا وبدأ والدي يعمل بشكل أكبر وأوسع واجتهد كثيرا ثم أصبح شريكا لصاحب المحل الأساسي وانتقل مع والدتي وأختي لمنزل أكبر وأوسع قليلا ثم حملت أمي للمرة الثانية وأنجبت بنتا والغريب أن والدي لم يتضجر من البنات خاصة أنه من قرية تتضجر من كثرة مواليد البنات. كانت ميزته الرضا بالقضاء والقدر فلم أره يوما يعترض على شيء ثم حملت أمي للمرة الثالثة وكانت بنتا وفي المرة الرابعة كنت أنا المولودة وبعدها لم يكتب لوالدي الإنجاب. • وهل حقق والدك الهدف الذي رحل من أجله من قريته الصغيرة؟ - نعم فبمجرد وصول أختي سن الست سنوات ألحقها بالمدرسة، رغم أن أمي ما زالت على أفكار القرية وتقاليدها البالية كانت الوالدة ترى بأن التعليم غير ضروري للفتاة ولكن والدي لم يكتف بإلحاق أختي بالمدرسة بل ألحق أمي بمحو الأمية. وظل وضعه المادي في تحسن مستمر وانتقلنا لمنزل أكبر مملوك لنا ثم ألحق باقي أخواتي وأنا منهن بالمدرسة. • وكيف سارت حياتكم بعد ذلك؟ - التحقنا جميعا بالمدارس بما فيها والدتي فتخرجت أختي الكبري من الجامعة وأنا ما زلت في المرحلة الابتدائية فالفارق العمري بيننا ظل كبيرا ووصلت أختي الثانية للثانوي والثالثة إلى المرحلة المتوسطة وبعد وصول أختي الثالثة للثانوي والثانية للجامعة كنت أنا قد وصلت للثانية متوسط وليتني لم أصل. • لماذا؟ - ففي إجازة الصيف وأنا في طريقي للثاني متوسط أصرت والدتي على العودة لقريتنا لزيارة أهلها والتفاخر ببناتها فذهبنا إلى هناك وسعد بنا الجميع خاصة أعمامي. وأثناء عودتنا تعرضنا لحادث مروع أصبنا جميعنا فيه وكل إصابة تختلف عن الأخرى ما بين كسر يد وقدم وساق ورضوض ولكن الإصابة الأكثر خطراً أصبت بها أنا حيث أصبت في العمود الفقري والحوض. • هل خضعتي للعلاج؟ وما نتج عن ذلك؟ - أجريت لي أكثر من عملية جراحية طوال عام كامل ونتج عنها إصابتي بالشلل فلم أعد قادرة على السير وأصبحت قعيدة الكرسي المتحرك، ولم يكفني ما أصبت به إذ أن والدتي زادت معاناتي فهي دائمة البكاء ممتنعة عن الطعام لأنها كانت السبب في ذهابنا وعجز والدي وإخوتي أن يفهموها بأن ما حدث قضاء وقدر. • وماذا حدث بعد ذلك؟ - بدأت ألسنة الدراسية وقد مضى علي عام في المنزل وأنا أسيرة سرير المرض بسبب العمليات التي خضعتها لها ففوجئت أن والدي يخبرني بأني سأكمل دراستي فرفضت فأصر على رأيه وقال لي إذا توقفت قدماكي عن السير فلن يتوقف عقلك عن التفكير، وظل يحفزني حتى عدت إلى المدرسة. والجميل في الأمر أني وجدت الجميع متعاونا معي ليس من باب الإشفاق ولكن بسبب تفوقي فلم يشعرنني بأني مختلفة عنهن. وتخرجت من المتوسط وأكملت الثانوي والآن أنا في المستوي الثاني في الجامعة، وكان والدي صاحب الفضل الأكبر بعد الله فقد كان دائم التحفيز لي وكان حريصا على أن أكمل دراستي ولا أُحرم مما حرم منه ظل يكرر على مسمعي دائما أنا قدماك فسيري بي ولا تخذليني فقد وصلت الآن للمستوى الثاني في الجامعة ويقول لي «ستحصلين على الدكتوراه وستحققي ما لم يتمكن أخواتك من تحقيقه».