سامحوني إن أفردت مقال اليوم للإجابة على سؤال قصير، ولكن للإجابة عليه بالغة الأهمية. فقد جمعتني مناسبة بعدد من الأصدقاء الذين دار الحديث فيما بينهم حول الفتوى التي اطلعها أحدهم عبر إحدى الفضائيات العربية. وقال فيها : «إنه يحق للرجل أن يتزوج خمسين حرة». وعندما جادلت المتحدثين بأن ذلك لا يمكن أن يقول به جاهل فضلا عن مدعي العلم، وهنا فاجأني أحد الحضور بأن فتح جواله الذي سجل عليه الفتوى بنصها، والتي أباح فيها المتحدث زواج الرجل من خمسين حرة.. ويشهد الله أنها كانت فاجعة ولا سيما أنه استدل بحديث لم يفهم مدلوله الذي لا يؤيد مزاعمه. ولأن الموضوع غاية في الأهمية شرعيا، فقد أخذت أبحث عما يمكن أن يفند مزاعم ذلك المتحدث، وسرني أن لفت نظري صديقي السيد محمد علي الجفري إلى ما كتبه الدكتور قيس المبارك بجريدة (اليوم) بتاريخ 26/2/1435ه، موضحا الكثير مما هو حاصل في عصرنا من فتاوى يطلقها من لا علم عنده، ثم ختم مقاله بتفنيد مزاعم ذلك الذي أباح الزواج بخمسين حرة بقوله: هذا هو التلاعب بأحكام الشريعة، ومن أسوأ الآراء التي سمعناها، بعد فتوى إرضاع الكبير، وفتاوى استباحة الدماء في اليمن وسورية والعراق وغيرها، فتوى جعل الأحرار عبيدا وإماء، فقد سمع أحد هؤلاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا، وتكثر النساء ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد)، وحديث: (ليأتين على الناس زمان يطوف فيه الرجل بالصدقة من الذهب لا يجد أحدا يأخذها منه، وترى الرجل يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء)، ففهم من الحديثين فهما لم يخطر ببال أحد من المتقدمين، لا من الفقهاء ولا من المحدثين ولا من أئمة اللغة، فهم أن للرجل أن يستأثر لنفسه بخمسين امرأة، يجعلها أمة وجارية تخدمه! ولو رجع هذا الجاهل إلى كتب شروح الأحاديث لعلم أن الأمر كما قال القرطبي في كتابه التذكرة: (يريد والله أعلم أن الرجال يقتلون في الملاحم، وتبقى نساؤهم أرامل، فيقبلن على الرجل الواحد في قضاء حوائجهن ومصالح أمورهن)، أما أن يستخرج هذا الجاهل من هذه الأحاديث الشريفة حكما باطلا وهو استعباد الحرائر، فهذا ما لا يجوز السكوت عليه، فيجب على أهل العلم أن ينفوا عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فهذا الاستنباط السقيم منافٍ لروح الشريعة ومقاصدها، فقد جاء الإسلام وأبواب العبودية كثيرة جدا فأغلقها جميعها، ولم يبق منها إلا باب الأسر في حال الجهاد، معاملة للمعتدين بالمثل حين يستعبدون أسراهم من أبنائنا، ثم شرع أحكاما تفرض العدل والرحمة بهؤلاء الأسرى، ثم فتح أبوابا كثيرة للحرية، كالكفارات وغيرها، حتى جعل الفقهاء من قواعدهم قاعدة «الشارع متشوف للحرية»، وهو ما سأجعله موضوع مقال لاحق إن شاء الله تعالى. السطر الأخير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».