يقول العقاد : «حب الحق، أكرم من حب الصواب» !! للوهلة الأولى قد تصدمنا هذه العبارة، فما يتبادر إلى الذهن أن الحق هو الصواب وأن الصواب هو الحق، بينما العقاد في عبارته تلك يبدي رأيا مختلفا نفهم منه أنه كان يرى الحق شيئا آخر غير الصواب قد يكون مضادا له !! هل الحق فعلا شيء آخر غير الصواب ؟ وكيف يمكن أن يكون ذلك ؟ هل العقاد محق في رأيه عندما جعل الحق شيئا آخر غير الصواب ؟! الصواب في حقيقته أمر نسبي، فما أراه صوابا قد تراه أنت غير ذلك، وربما هذا ما يجعل كلا منا في بعض الأحيان يتخذ سلوكا مغايرا لسلوك الآخر حيث يرى كل منا في فعله صوابا لم يره الآخر. والصواب ايضا غالبا ما يقاس بمدى ما يحققه من منفعة عامة او خاصة، فيكون النظر إليه بناء على ذلك، أو بمدى إرضائه المجتمع باتباع ما فيه من أنظمة وعادات اجتماعية. أما الحق فشأنه يختلف، الحق له صورة واحدة ثابتة، حتى وإن لم يجلب نفعا خاصا أو عاما، بل حتى إن كان ضد مصلحة عامة او خاصة أو كان مخالفا لنظام مسنون أو عادات متبعة. ومن هنا نفهم لم وضع العقاد (حب الحق) في مرتبة أكرم من (حب الصواب)، لأن من يقدم حب الحق على حب الصواب، قد يعرض نفسه أحيانا للأذى أو لضياع مصلحة أو حرمان من منافع، لكنه لا يبالي بكل ذلك في سبيل تقديم الحق الذي يحب. ولعل ذلك ما يجعل الغالبية من الناس يهربون من اتباع الحق ويقبلون على اتباع الصواب، فاتباع الصواب يضمن لهم السلامة ويجلب الخير، أما اتباع الحق فتبعاته كبيرة والركض وراءه لا يعود بالخير دائما. إن أبسط مثال على ذلك، موقف كثير من الناس تجاه الأنظمة الضريبية التي تفرض عليهم، فهم أحيانا يرون فيها ابتزازا وظلما بعيدا عن الحق بأخذ أموالهم من غير مبرر، لكنهم مع ذلك جميعهم يدفعون تلك الضرائب، لأنهم يرون في دفعها صوابا ينجيهم من طائلة العقاب، حتى وإن لم يروا فيه حقا. ابن المقفع له نصيحة مشهورة حول هذه المسألة يقول فيها: «على العاقل أن يجبن عن الرأي الذي لا يجد عليه موافقا، وإن ظن أنه على اليقين»، فخبرة ابن المقفع أكدت له أن قول الحق أو الدفاع عنه، ثمنه باهظ في بعض الأحيان، وأن الصواب في تركه واتباع غيره. من هنا حق للعقاد أن يضع حب الحق، في مرتبة (أكرم) من حب الصواب، إذ ليس كل الناس قادرين على ذلك ولا مؤهلين للقيام به، الكرام وحدهم هم من يجازفون فيقدمون حب الحق.