تدخل السعودية عام 2011 بموازنة هي الأضخم في تاريخها، بعد أن شهدت موازنة عام 2010 إنفاقاً لم تشهده البلاد من قبل في التركيز على المشاريع التنموية والقطاعات الحيوية. وعلى رغم تباين القراءات لأرقام موازنتي عامي 2010 و2011، إلا أن الاتفاق العام لدى الاقتصاديين يشير إلى استمرار الحكومة في المشاريع الكبيرة التي يتم تصنيفها بمشاريع البنية التحتية العملاقة التي قررت الحكومة المضي في تنفيذها ضمن خطتها الخمسية. وكانت العوائد النفطية سجلت، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط، زيادة في الإيرادات العامة عن التقديرية في موازنة 2010 بلغت نحو 265 بليون ريال، وهو أمر يدل على نهج التحفظ وتوقّع أسوأ السيناريوهات عند رسم تقديرات الموازنة السنوية، وهو النهج المتوقّع أن يكون في تقديرات عوائد موازنة 2011 أيضاً، خصوصاً أن أسعار النفط تعتبر متغيّراً خارجياً من الصعب التحكم فيه، ويعتمد على تفاعلات قوى العرض والطلب في السوق النفطية. وحملت الموازنة العامة للمملكة فائضاً فعلياً في عام 2010 بلغ نحو 108.5 بليون ريال، مقارنة بالتقديرات التي كانت تتوقّع تسجيل عجز ب70 بليون ريال، إذ بلغت المصروفات 626.5 بليون ريال والإيرادات 735 بليون ريال، وزادت الإيرادات ب 265 بليون ريال عن المخطط أصلاً، كما زادت المصروفات الفعلية على المخطط لها ب 86.5 بليون ريال، هذه المرونة في التقديرات تعطي تصوراً عن سلوك جديد لدى وزارة المالية السعودية لم يكن من سياستها سابقاً. ووصف رئيس مجلس إدارة «غرفة الشرقية» عبدالرحمن الراشد الموازنة العامة للدولة لعام 2011، بأنها موازنة «المشاريع العملاقة»، مضيفاً أن «القطاع الخاص ينظر بتقدير وارتياح كبيرين للموازنة»، لافتاً إلى ما تضمنته من «محاور مستقبلية عريضة». وأضاف أن القطاع الخاص ينظر بثقة كبيرة إلى ما تضمنته الموازنة من أرقام، مؤكداً أن النجاح الذي تشير إليه هذه الأرقام هو في حقيقته «الحصاد المثمر لتوجهات الحكومة، قائلاً: «القيادة السعودية حرصت دائماً على توظيف كل إمكانات الوطن ومقدراته الاقتصادية وثرواته في خدمة المواطن السعودي، وتوجيهها لتطوير كل المجالات التي تتقدم بالمواطن، وتؤمن للأجيال المقبلة مستقبلاً مبشّراً بمزيد من وسائل الخير والرفاهية». وقال الراشد إن الموازنة هي «الأضخم في تاريخ البلاد»، ليس من حيث «الأرقام» فحسب، وإنما من حيث «التوجهات» التي تسعى الموازنة إلى ترجمتها لتحقيق المزيد من الرفاهية وتطوير سبل الحياة للمواطنين، داعياً القطاع الخاص إلى التصدي لمسؤولياته في مساندة الرؤى الحكومية التنموية ودعمه في تحقيق هذه الأهداف ووضع برامج لمتابعة التنفيذ والإنجاز. وأوضح أن موازنة السنة المالية الجديدة التي تبلغ 580 بليون ريال بزيادة مقدارها 40 بليون ريال عن الموازنة السابقة، تؤكد اهتمام خادم الحرمين الشريفين بدعم التوجّهات الحضارية للمجتمع السعودي، وحرصه على الاستمرار في قيادة البلاد إلى مزيد من التقدم نحو المستقبل، والسير بها خطوات أكبر وأوسع في مسيرة التنمية، مشيراً إلى أن المواطن السعودي هو محور التنمية، وأن توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين، يمثل أحد الأهداف الرئيسية للموازنة. وأشار إلى أن تحقيق 108,5 بليون ريال فائضاً في موازنة 2010، وخفض الدين العام إلى 167 بليون ريال، يعكسان «قوة» و«متانة» الاقتصاد السعودي، لافتاً إلى أن تحقيق الفائض، على رغم ضخامة الإنفاق في المشاريع التنموية الكبرى، دليل صحة الاقتصاد الوطني وما يتمتع به من عافية، وسط عدد من التقلبات التي تمر بها الاقتصادات العالمية بما فيها اقتصادات الدول المتقدمة والدول الصناعية الكبرى. وأكد رئيس غرفة الشرقية أن انخفاض الدين العام يعكس قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة مختلف التحديات والأعباء، مشيراً إلى ما مرّ به العالم خلال العامين الأخيرين من مشكلات وأزمات طاحنة عصفت بأكبر القوى الاقتصادية في العالم، وأن نجاح الاقتصاد السعودي وسط هذه الأزمات دليل صحة توجهاته وإدارته. وتوقّع استمرار النهج الخاص بخفض حجم الدين، ما يعكس استمرار اتجاه الاقتصاد السعودي في التقدم، وصعوداً كبيراً في النمو، مشيراً إلى أن خفضه بنسبة 10 في المئة في نهاية 2010 من الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق نسبة نمو تصل إلى 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2009، تعزيز للسياسة الاقتصادية للمملكة، ما جعلها تكون عضواً بارزاً ومؤثراً في الاقتصاد العالمي، مؤكداً أن معدلات النمو السعودي المحققة تعد واحدة من المعدلات الأكبر على المستوى العالمي. وأعرب عن اعتقاده بأن الملامح الرئيسية للموازنة العامة للعام المقبل تتجه إلى ترسيخ بناء القاعدة الاقتصادية للمشاريع المستقبلية العملاقة، مستهدفة توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين، إلى جانب تحقيق المزيد من الرفاهية وتطوير سبل العيش الكريم للمواطنين، والاهتمام بتطوير «آليات» التقدم التي تؤكد مكانة المملكة وموقعها المميّز على الخريطة العالمية، وتمكّنها في الوقت ذاته من المنافسة في ما يتعلق بامتلاك المفاتيح الصانعة للتقدم، خصوصاً تطوير التعليم، والأخذ بأسباب التكنولوجيا، والتقنيات الحديثة وما يستجد فيها من متغيّرات وتطورات. وقال: «إن التركيز على زيادة المخصصات المالية في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والأمنية والاجتماعية، وفي مشاريع مياه الشرب والصرف الصحي، والطرق، والتعاملات الإلكترونية، ودعم البحث العلمي، يؤكد حرص القيادة السعودية على تسخير كل الإمكانات والموارد لخدمة الأجيال المقبلة»، مشيراً إلى أن الموازنة تتضمن برامج ومشاريع جديدة ومراحل إضافية لعدد من المشاريع التي سبق اعتمادها تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 256 بليون ريال، وتعزز توجهات حفز الاقتصاد بالإنفاق، ما يعكس الآمال التي تضعها القيادة على ما تستطيع الموازنة أن تحققه في ما يتعلق بالتوجهات المستقبلية. من جانبه، قال الاقتصادي نظير العبدالله إن الإنفاق الفعلي في الموازنة بلغ نحو 626.5 بليون ريال مقارنة بإنفاق تقديري لعام 2010 بلغ نحو 540 بليوناً، أي بارتفاع في الإنفاق الفعلي عن المقدر بلغ نحو 86.5 بليون ريال، وهذا الإنفاق الذي ارتفع بأكثر من المقدر له ولكن بدرجة أقل من تجاوز الإيرادات الفعلية للمقدرة يدل على أن السياسة المالية تمتّعت خلال العام الماضي بمرونة عالية استمدتها من ارتفاع الإيرادات الفعلية خلال العام، والتي سمحت بالتوسّع في الإنفاق على أوجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقال إن ارتفاع الإنفاق الحكومي وتجاوزه التقديرات يدل على استمرار التزام السياسة المالية بالخطوات التحفيزية، التي تهدف إلى دفع النمو الاقتصادي جراء تبعات الأزمة المالية العالمية، وسياسة المملكة في تحقيق نمو اقتصادي حقيقي. وأشار إلى أن الإيرادات المتوقّعة وفق تقديرات عام 2011، تبلغ نحو 540 بليون ريال، بينما تم تقدير الإنفاق بنحو 580 بليون ريال، أي بعجز متوقّع في موازنة العام المقبل يبلغ نحو 40 بليون ريال، وهذه التقديرات للعام المقبل تعتبر محافظة وتستند إلى مرونة وسرعة تجاوب السياسة المالية للتغيّرات المتوقعة في الإيرادات، خصوصاً مع التحوّط في تقديرات الإيرادات مقارنة بتقديرات الإنفاق، وهو ما حصل خلال الموازنة الماضية، ومتوقّع أن يتكرر الأمر في الموازنة الجديدة، خصوصاً أن التقديرات تشير إلى ارتفاع في أسعار النفط أو ثباتها في حدود 70 إلى 100 دولار للبرميل، ما يعني تحقيق فائض في الموازنة. وأوضح أن مجالات إنفاق تقديرات الموازنة السنوية استمرت في منح أولوية الإنفاق لقطاعي التعليم والتدريب والخدمات الصحية، إذ بلغت مخصصات التعليم والتدريب نحو 150 بليون ريال مقارنة بنحو 137.6 بليون ريال كمخصصات لعام 2010 وبمخصصات للقطاع الصحي بلغت نحو 68.7 بليون ريال في العام المقبل مقارنة بنحو 61.2 بليون ريال كمخصصات في موازنة 2010. وهو مؤشر على استمرار الحكومة في دعم البنية التحتية، أو إعادة بناء للبنية التحتية السابقة بإضافة مشاريع خدمية أساسية أصبحت البلاد بحاجة ماسة لها.