يتواجد الشرفاء والصادقون في كل مكان وزمان ودين. قال الشيخ الأمام محمد عبده كلمته الشهيرة بعد زيارته لفرنسا التي مضى عليها أكثر من قرن من الزمان: «في الغرب وجدت الإسلام، ولم أجد المسلمين، وفي البلاد الإسلامية وجدت المسلمين ولم أجد الإسلام».. وهو بلا شك يقصد قيم الصدق والعدل والحرية والمساواة واحترام قيم العمل وعدم الغش الموجودة في بلاد الغرب والغائبة عند قطاع كبير من المسلمين. وقال الكاتب الكبير ثروت الخرباوي، الإخواني السابق، وهو أحد أهم نقاد فكر الجماعة في الوقت الحاضر: «دعني أرى الدين فيك ولا أسمع عنه منك». نحن دوما نتحدث عن قيم الدين والتدين ولا أحد يراه في سلوكنا، بل البعض يرى بأن الشكل أهم من الجوهر، كثوب قصير ولحية كثة وترديد أقوال معينة.. لكن (م. ش) مواطن صالح، شكله عادي كأغلبية السعوديين الذين تجدهم في البيوت والشوارع والعمل، حليق اللحية، ويسبل الثوب والشماغ، ويؤدي العبادات على أكمل وجه بلا تنطع.. يعمل على بند الأجور في إحدى الجهات الحكومية في منطقة حائل. يحمل الشهادة الابتدائية، ويعول أسرة كبيرة بعد وفاة والده: زوجته وأولاده وأمه وإخوانه. معاشه على بند الأجور لا يكفي الحاجة. فعرض عليه أحد سماسرة تجار الشهادات المزورة الحصول على الشهادة الثانوية بمبلغ قدره (كذا).. وهذه الشهادات البسيطة المزورة لم تشملها حملة الدكتور موافق الرويلي عضو مجلس الشورى في الكشف عن حملة الشهادات الوهمية، الذي كان جل تركيزه فقط على من يحملون الماجستير والدكتوراة.. ثم جاء الأمر السامي الكريم القاضي بتحسين أوضاع العاملين على بند الأجور. فتقدم المواطن (م. ش) بشهادته الثانوية الوهمية، فصدر قرار تثبيته بناء على خدمته وشهادة الثانوية على المرتبة السادسة.. يقول بعد تعييني على الوظيفة الرسمية لم أنم تلك الليلة. كانت هواجيس المال الحرام تحاصرني من كل مكان، كأنه (خرتيت) بشع سوف يكبر ويكبر معي في هذه الغرفة الضيقة، ويزورني عند كل نوم، وأهلي سوف يأكلون منه ويلوثهم، ورأيت سياط الغش الكبير الذي نهى عنه الدين الإسلامي وكل القيم الإنسانية في طول وعرض الأرض تجلدني بلا رحمة. وعندما جاء الصباح، ذهب المواطن الصالح (م. ش) لمدير شؤون الموظفين في مؤسسته تلك، واعترف بعدم نظامية تحسين وضعه.. ثم نام بعد ذلك بعمق.. هو الآن لا يزال يعمل على بند الأجور، ويعيش بضمير مرتاح، ولم يعرف هاشتاق على موقع توتير. [email protected]