بين التمر والنفط في الأحساء علاقة (طاقوية) تمتد لآلاف السنين بالنسبة للأول ولحوالى ثمانين سنة بالنسبة للثاني. ولذلك كان لجلسة الاستثمار في الطاقة التي عقدت في منتدى الأحساء للاستثمار وشاركت فيها كمدير للجلسة، أهمية كبيرة وحضور مرموق من رجال الأعمال والاقتصاديين والإعلاميين الذين جاءوا يستشرفون آفاق التنمية الاقتصادية في منطقة خزان الطاقة الأبدي، كما وصفت الأحساء في مقدمة تلك الجلسة وقلت إن لها، في باطنها وظاهرها، فضل هائل على التنمية في المملكة. ولأنني، كما أزعم، أتمتع بدقة ملاحظة فقد رأيت ما لم ربما يره إلا القليلون من حضور ذلك المنتدى الأحسائي الكبير، إذ بعيدا عن أحاديث كبار الاقتصاديين واتفاقيات رجال الأعمال التي تحدث في ردهات المنتدى، فاجأني شاب أحسائي بحضوره المهني إلى غرفتي ليفحص مشكلة عدم اتصال كمبيوتري بالإنترنت. كنت أتوقع، كما يحدث دائما، أن يكون الفني المكلف بصيانة الأعطال الفنية (هندي أو فلبيني) أو من أية جنسية أخرى عدا الجنسية السعودية. لكن يبدو أنك إذا كنت في الأحساء فتوقع كل شيء أحسائي: من نقطة الاستقبال إلى نظافة الغرف ومقاهي الزبائن في ردهة الفندق. وهذا هو في نظري سر طاقة الأحساء المتواصلة والمبدعة، تلك الطاقة البشرية المحلية التي لا تتنكف عن الاشتغال بكل الوظائف وممارسة كل المهن، وهي خاصية أحسائية تاريخية لا تفرق في طلب الرزق بين إنسان وآخر ووظيفة وأخرى. إنها الخلطة السرية لإنتاجية الأحساء، منذ عرفنا أن التمر سر بقائنا الوحيد إلى أن تدفقت الأرض بذهبنا الأسود. ولذلك فإن رجال الأعمال والمستثمرين مدعوون للانتباه إلى طاقة الأحساء البشرية التي تمثل رهانا رابحا على نجاح المستثمرين، المحليين والأجانب، هناك. والمؤسسات المحلية بالذات، تدريبية أو استثمارية، لابد وأن تصوب معاهدها وبرامجها صوب الأحساء الناهضة الآن، إذا أرادت أن تضع قيمة بشرية سعودية مضافة إلى هذه البرامج، كما يفترض أن تفعل في مناطق أخرى تتمتع بمخزون بشري كبير واستجابة طبيعية لأسباب الرزق. أما الشيء الآخر الذي خرجت به من المشاركة في هذا المنتدى فهو انتظار أهل الأحساء استثمارات الطاقة. ولي في ذلك وجهة نظر خاصة تتمثل بأنه في الطريق إلى تحرك هذه الاستثمارات ووصولها إلى منطقتهم، لابد أن يلتفتوا هم إلى فرص الاستثمارات المحلية التي تأخروا في اغتنامها أو تطويرها ومنها تطوير صناعة التمور، إنتاجا وتصديرا، وإطلاق سوق المشروعات المتوسطة والصغيرة، التي سيجدونها ناجحة ورابحة لنفس السبب، وهو أن الطاقة البشرية الأحسائية فعالة ومثابرة ومنتجة، فإذا أحسنت رؤوس الأموال الأحسائية توظيف هذه الطاقة فإن النتيجة، بدون أدنى شك، ستكون مذهلة.