إذا كان هناك ناد متكامل في المملكة وتتوفر له كل أسباب التقدم والتطور والنجاح أكثر من غيره.. وتؤدي إلى استقرار أوضاعه.. فإن هذا النادي لن يكون سوى النادي الأهلي بجدة. هذه الحقيقة لابد أن نذكرها قبل أن نتناول مباراة أمس الأول للفريق الأهلاوي أمام فريق التعاون.. وخروجه بهدفين في مرماه مقابل هدف تحقق في اللحظات الأخيرة من عمر المباراة وتحت الضغط وبعد توتر شديد وغير مسبوق. والسؤال الآن هو: لماذا يجيء إذن الفريق في المرتبة «الرابعة» من الدوري الرئيسي.. إذا كانت جميع الإمكانات متوفرة.. وإذا كان متسوى الاستقرار عاليا.. وإذا كان «فيروس» الأزمات التي تهز الأندية الكبيرة الأخرى بعيدا عن جسد هذا النادي؟ الإجابة بكل بساطة هي: أن الفكر الذي يدار به النادي لا يجد من يترجمه على أرض الواقع بصورة متدرجة ومتماسكة ولصيقة بأوضاع النادي الفنية.. والإدارية.. والتنظيمية.. وأن المسافة بين كل فريق وفريق تساوي المسافة الواسعة بين خط دفاع الفريق ووسطه.. وهجومه.. باختصار شديد للغاية. لذلك فإن الفارق كبير جدا.. بين فكر القيادة التي تفعل كل شيء وبين من يتولون بعد ذلك مسؤوليات التطبيق.. وبالتالي فإن نتائج فرق النادي لا تكون - في معظم الأحيان - في المستوى الذي يخطط له وينفق عليه.. ويراد له أن يكون وذلك «حرام». **** والمشكلة التي يواجهها النادي في الوقت الراهن.. كأحد الأعراض التي توصل الفريق الأول إلى هذا المظهر «الهزيل» الذي قدمه أمام فريق التعاون هي.. تعاظم الفجوة بين فكر المدرب.. وفكر النادي من جهة.. وبين فكره وفكر اللاعبين.. وثقافتهم.. وطرق اللعب التي شهدت حالة عدم استقرار في السنوات الأخيرة.. وإلا فمنذ متى كان الفريق الأهلاوي يلعب الكرات الطويلة ويتخلى عن الجمل القصيرة.. ولا يستعين بالأطراف لإيصالها إلى مرمى الخصوم..؟ وإلا.. ففي أي وقت أتيح للفريق أن تتوفر فيه كوكبة لاعبين ممتازين لكن خطط مدربهم تبدد جهودهم.. ولا تعرف كيف تستغلهم.. والدليل على ذلك هو هذه المباراة. فقد لعب المدرب بالطاقم الآتي في الشوط الأول: عبدالله معيوف (بالحراسة) وأسامة هوساوي ومحمد أمان ومنصور الحربي وعلي الزبيدي في خط الظهر.. وكل من تيسير الجاسم ومعتز الموسى ومارسيلو مارسارو وسعيد المولد ومصطفى بصاص في الوسط.. ولا أحد في المقدمة سوى «فيكتور سيموس». وبالرغم من وجود (5) أشخاص في هذا الوسط الضارب وغير المطلوب وغير المقبول.. إلا أن (فيكتور) وجد نفسه حائرا ومعزولا في المقدمة للأسباب العجيبة التالية: 1) استخدام الكرات الطويلة وغير المدروسة.. مباشرة من الدفاع إلى الهجوم الذي لا يوجد فيه سوى لاعب واحد أمام (4) مدافعين تعاونيين. 2) ثبات الظهيرين في مكانهما وعدم تقدمهما لمساندة الهجمة وتحريك الأطراف. 3) انكماش مصطفى بصاص إلى الوسط وغياب الحركة في المنطقة اليمنى تماما وكذلك في المنطقة اليسرى وتعذر قيامه بدور (الممول) لمهاجم المقدمة.. لأن الكرة كانت (طائشة) وتتجاوزه في كل مرة.. ولأن (سيموس) يتحرك بسبب وبدون سبب على خط العرض الأمامي وكأنه يسرح ويمرح دون هدف أو غاية.. فلمن يرسل مصطفى الكرة.. ولمن يمرر؟ 4) تراجع تيسير عن أداء أدواره في مساندة الهجمة وعودته إلى الخلف كثيرا.. أو نزوعه للعب على الأطراف وترك «معتز الموسى» في منطقة واسعة وعريضة أمام وسط (قوي) تواجد فيه (9) من أصل (10) لاعبين من فريق التعاون لمنع تقدم هجوم الأهلي.. وفقا لخطة مدرب يعرف ماذا يريد؟ ويعرف كيف يلغي دور من أمامه؟ ويعرف أيضا كيف يعطل هجوم الفريق المقابل في وقت وقف فيه مدرب الأهلي (بيريرا) موقف المتفرج لأنه سبب الخطأ الأول سواء في اختيار هذه التشكيلة أو في عزل الدفاع عن الهجوم باللجوء إلى خطة (عجيبة) قتل فيها الفريق لأنه غيب عنه أهم عنصرين منذ البداية هما: (سيزار) في الوسط و(يونس) في المقدمة.. وبالتالي ألغى دور وفعالية هجوم الأهلي باعتماده المطلق على قدرات (فيكتور) الذي يتحرك بدور (بوصلة) ويتعامل مع الكرة بصورة لا وجود لها في عالم كرة القدم.. ولا في هجوم المقدمة. ويوم أمس الأول لا تعرف - على وجه التحديد - إن كان مهاجما أو لاعب وسط.. أو أنه خارج التركيبة أساسا.. وهي طريقته التي لا تحتكم إلى أي تنظيم أو لا تخضع لتنفيذ أدوار بعينها تفيد الفريق. ورغم أهمية هذا اللاعب (المزاجي) إلا أنه أصبح حالة مربكة للفريق أكثر منها مفيدة.. وإذا استمر وجوده مع الأهلي في الموسم القادم.. فإنه لابد من إعادة بناء الهجمة بوجوده ووجود مهاجم آخر يجيد التمرير له.. أو إلى لاعب وسط خلف المهاجم الصريح يستطيع أن يهيئ له الكرات الجاهزة.. ويحد من حركته غير المنضبطة ويلزمه بالتمركز الجيد الذي تفرضه الخطة. ومع أن الشخص الآخر الذي يتكامل معه ليس هو (يونس محمود) لأنهما يلعبان بطريقة واحدة ويعتمدان على السرعة والقوة.. إلا أن وجودهما يوم أمس الأول من البداية كان ضرورة حتمية.. لو أن مصطفى بصاص لعب في اليمين.. وجاء (سيزار) ليلعب خلفهما.. وقريبا منه تيسير.. ولما احتاج الفريق إلى (سعيد المولد) كمحور دفاعي.. ولا لمعتز في الوسط على حساب سيزار الأكثر قدرة على خدمة الهجمة الأهلاوية سواء بالجهد المضاعف.. أو باختراق دفاعات الخصوم وإرباكها (كما تحقق ذلك من خلال ضربة جزاء أهدرها فيكتور) أو بالتهديف القوي الذي تملكه قدماه ولاسيما قدمه اليسرى. *** وباختصار شديد: فإن إمكانات الأهلي العناصرية.. وثقافته في التخطيط وفي التعامل مع ظروف المباراة هي غير طريقة مدربه (بيريرا) تماما.. بدليل عدم استقراره على تشكيلة نهائية حتى الآن.. بالرغم من وجود أفضل العناصر بالنادي.. وحتى التبديلات التي أقدم عليها.. بدءا بإخراج سعيد المولد وإدخال سيزار.. والاستغناء عن معتز لحساب يونس محمود.. ثم بالاستعانة بسلطان السوادي بدلا من علي الزبيدي بالرغم من هذه التغييرات الجيدة إلا أنها فقدت اهميتها.. لأنها جاءت في وقت كان فيه الفريق يعاني كثيرا.. بعد أن دخل مرماه هدفان وكاد يتعرض للثالث وبعد أن كانت الحالة النفسية للفريق تحت الصفر وحالة الضغط عالية وغير قابلة لأي معالجة أو تصحيح للوضع في وقت كان يجب أن يلعب بهذا الرصيد المتميز منذ البداية.. ويحقق التفوق الكاسح على التعاون أو غيره. لم يفعل هذا «بيريرا» لأنه لا يعرف لاعبيه.. كما أنه لا يعرف خطط الفريق المقابل جيدا وتكتيكاتهم مما أفقده عنصر المبادرة في السيطرة على المباراة من البداية.. ومكن التعاون الذي لعب بخطة واضحة وعلى الكرة المرتدة وفي حدود إمكاناته واستغل حالة الفوضى في الوسط الأهلاوي غير المتجانس وحول التضخم في الوسط إلى حالة مربكة للفريق وفرغ الهجوم من الدور والتأثير وبالتالي اضطر دفاعه إلى التقدم وراء هجوم كسيح فجاء الهدف الثاني بسهولة للتعاون. وإذا استمر هذا الحال من الارتباك وعدم ثبات التشكيلة في صفوف الأهلي.. فإن ذلك سيكون على حساب استنزاف طاقاته وقدرات لاعبيه وكذلك على حساب فكر وتماسك البنية الكلية للنادي.. وكذلك على حساب الفريق وغيابه عن الصفوف الأولى وخسارته لأكثر المسابقات سهولة. فإلى متى يستمر هذا الحال؟ ولماذا؟ شيء أخير لا يمكن تجاهله هو أن تحكيم المباراة كان دون مستواها.. وقد تضامن هذا العامل مع عوامل سوء التشكيلة.. والحظ على الفريق الأهلاوي فأخرجته مهزوما.. ودون الحاجة إلى تفاصيل من نوع أو آخر فإن دعم وتشجيع حكامنا وإن كان مطلوبا إلا أنه لا يجب أن يكون على حساب المستوى العام للكرة.. وحقوق الأندية.. ولابد من الوقوف على الأخطاء ومناقشة الحكم وطاقمه فيها حتى يتعلموا من أخطائهم ويتفادوا استمرارها.