شموخ، منيرة، مدى، عالية.. نماذج لطالبات صدمن بواقع فرضته عليهم قوانين الجامعة والأسرة التي أجبرتهن على دراسة تخصصات لا يرغبن فيها لأسباب لم تعد مقنعة مثل اكتمال الطاقة الاستيعابية للأقسام والكليات أو عدم توافق النسبة مع الكلية المرغوبة فيها. شموخ وزميلاتها ذكرن أن طالبات دخلن إلى الأقسام والكليات المرغوبة ولا تنطبق عليهن الشروط وعزين ذلك إلى ما أسمينه «الواسطة» والمحسوبية فهناك كليات بعينها أصبحت ضالة الناس في باحث عن التميز والرقي والموقع الاجتماعي والأسري والوظيفة المضمونة. وفي المقابل فإن بعض الكليات الطاردة فرضت واقعا أليما على الطالبات بسبب الإنذارات المتكررة ومن الطالبات من أضاعت عاما كاملا لأنها دخلت كلية لم ترغب دخولها أصلا. كثير من الطالبات لا يحرصن على التخطيط السليم لمستقبلهن الجامعي ويوكلن المهمة لإدارة القبول في الجامعة وأولياء أمورهن الذين يختارون ما يناسبهم من تخصصات تروق لأحلامهم وتخدم مكانتهم الاجتماعية، أو حسب ما يتوفر لدى الجامعة من شواغر ومقاعد خالية دون الاكتراث برغباتهن وميولهن. خلود تركي، أميرة العبادي، وسالي خالد لم يحددن أي تخصص يرغبن التوجه إليه ويبررن تصرفهن بتجنب العواقب النفسية التي قد تنتابهن من جراء تبديد حلمهن حتى لو تمكن من إزالة الحواجز والعراقيل التي يزداد ارتفاعها كل سنة أمامهن. وفي المقابل يرى أولياء أمور الطالبات أن محدودية التخصصات الجامعية تعد أهم الأسباب لانجذاب بناتهن لبعض الكليات الحيوية التي يطلبها سوق العمل لضمان فرص وظيفية بعد التخرج ويطالب الآباء الجامعات دارسة هذه الأوضاع وإيجاد حلول علمية واضحة بدلاً من تعقيد شروط القبول في الجامعات كل عام والبعد عن الواسطة والمحسوبية وقبول المتقدمات في تخصصات لا تناسب ميولهن ومعدلاتهن. واقع المتفوق الحافظ معلم اللغة العربية صالح محمد العتيبي يرى أن الجامعات تتبع مبدأ القبول الفوري عن طريق النت معتمدة على النسبة المئوية ومن ثم درجة القياس ودرجة الاختبار التحصيلي وهذا المنهج الجامعي يتضح فيه وبجلاء أن الجامعات تبحث عن الطلاب المتفوقين دراسيا، موضحاً إشكالية هذا التطبيق أن المتفوق قد يكون ممن يتميزون بالحفظ فقط ولا يمتلكون أي أداة من أدوات التفكير والإبداع ما يضع الطالب في حرج كبير في المستقبل الجامعي أو المهني، ففي الجامعة يصطدم الطالب بأساليب تعليمية تعتمد على الفهم والتحليل والمنطق والبحث العلمي واكتشاف الأساليب والنظريات الجديدة وإعمال الفكر والعقل ولا تحل بالحفظ فيضطر معها الطالب إلى الانسحاب أو القبول بالوضع الجديد، ويتخرج من الجامعة حاملا كما هائلا من المعلومات والأدهى أنه بعد التخرج يصطدم بواقع مهني يحتاج إلى تخطيط ومتابعة وتنفيذ وأساليب إدارية وإشرافية لا تنسجم مع أساليب المتفوق الحافظ. فرض التخصصات بلا ميول العتيبي يرى أن فرض التخصصات دون مراعاة رغبات وميول وإبداعات الطالب تنعكس سلبا على واقعه التعليمي والمهني، وبما أنني معلم ورائد أنشطة طلابية وبحكم قربي من الطلاب فلدينا مجموعة ممتازة من الطلاب الموهوبين وليس المتفوقين فلدينا في التربية فرق بين المتفوق والموهوب، الموهوب قد لا يكون متفوقا دراسيا ولكنه يمتلك عقلية ناضجة في الإبداع أو حل المشكلات بطرق ممتازة وإذا ما انتقل إلى الجامعة واصطدم ببيروقراطية الجامعات فإنها ستقضي على مواهبه وتحيلها إلى التقاعد المبكر مع ما تسببه من تعطيل جزء مهم من أعمدة التنمية الوطنية بقتل الموهبة في مهدها وكان المعول على الجامعات أن ترعى الموهبة وتنميها ليكون نواة صالحة للبناء والتطوير. نحن بحاجة أكبر إلى رعاية الموهبة وتنميتها والبحث الجدي عنهم في أروقة المدارس الثانوية واستقطابهم وطريقتهم في ذلك أن تلجأ عمادات القبول والتسجيل إلى سجلات المدارس ورواد النشاط لاستقطاب الموهوبين وتسجيلهم في الجامعات قبل المتفوقين وعلى الجامعة أن تختار للطلاب ما يتناسب مع مواهبهم وتترك لبقية الطلاب الاختيار بين التخصصات المختلفة حتى لا تكون الجامعة حجر عثرة في طريق النمو الفكري والإبداعي للطلاب، ولعل النظر إلى النسبة المئوية للطالب في مادة التخصص هي أحد المخارج من مأزق البيروقراطية الجامعية. استحالة تحقيق كل الرغبات الدكتور عدنان الشريف الحارثي الأستاذ المشارك في قسم التاريخ والحضارة الإسلامية وعميد شؤون المكتبات في جامعة أم القرى قال إن التقسيم المنطقي للدراسة بالجامعات أو الوظائف والمهن المتاحة في المجتمع لا يستطيع الاستجابة لكل الرغبات وهذا أمر طبيعي وسار في جميع دول العالم، ولو حدث واستجابت الجامعات لجميع رغبات المتقدمين للدراسة بتخصصات معينة لوجد فائض من الخرجين المتخصصين بهذه التخصصات يقابله احتياج وعجز في التخصصات الأخرى التي يحتاج إليها المجتمع ولابد من بذل الجهود لإيجاد شيء من التوازن لتلبية رغبات الطلاب بأساليب وطرق علمية، كما أنه ينبغي إعادة ترتيب مهارات الطالب بالمراحل الدراسية الأولية بمعنى أن الطالب بهذه المرحلة يكون عبارة عن خامة طرية مرنة مهيأة لاستقبال أكثر من مؤثر فقد تتكون لدى الطالب العديد من المهارات الفنية والأدبية الراقية وبنفس الوقت يكون مبدعا في الرياضيات وفي هذه الحالة نحن بحاجة إلى تنمية المهارات المتعددة لدى الطلاب تؤهلهم مستقبلاً من التكيف والإبداع في أكثر من تخصص ومجال. وأضاف الحارثي أنه لابد من توجيه الطلبة من قبل إدارات المجتمع كلها سواء كانت الأسرية أو المدرسة أو الجامعية.. بهذا التقسيم المنطقي وكيفية تكيف الطالب مع الجديد المفروض عليه إذ لابد أن تكون لدى الطالب القدرة والاستعداد النفسي المؤهل مسبقا للدراسة أو العمل في عدد من الميادين والتخصصات والمجالات التي تفرض عليه ليتمكن من الاستجابة والتكيف مع متغيرات الحياة حتى لا يجد نفسه فريسة للآثار النفسية السلبية التي قد تصيبه من جراء عدم قبوله بما يرغب من تخصص نتيجة خلل في أنماط التربية وأساليب التعليم العام التي لا تصنع إنسان قادراً على تطوير ذاته وتنمية مهاراته وتكيف رغباته وتناغمها مع الواقع الذي فرضه عليه منطقياً وفكرياً.