ربما لم يعد خافيا على المواطن البسيط التراجع التنموي الذي نشهده على أرض الواقع في العديد من مجالات الحياة اليومية، تم رصده دوليا من بطالة وفقر وتآكل للبنية التحتية بالرغم من الجهود المبذولة والدعم السخي للنهوض بواقع المواطن اليومي عبر العديد من المشروعات التنموية الطموحة، ما يجعل كثير من المختصين يتساءلون حيارى عن استمرار هذا التراجع.. نعم، إن مثل هذا النوع من التساؤلات جدير بالتحري. ولكن ليس بالضرورة أن يكون بحثنا عن الإجابة بعيدا عن واقعنا اليومي، وأعني به سياساتنا الاقتصادية التنموية ورؤانا وأهدافنا ومقاصدنا تخطيطا وتطبيقا. فمن الواضح تماما أننا في خضم هذه المراجعات ومحاولات استيراد التجارب الأممية واستشارة كبرى الشركات نسينا المواطن، ذلك الإنسان البسيط الذي هو مقصد التنمية ومآلها، فعلى سبيل المثال لا الحصر نفتتح في كل يوم عشرات الجامعات والكليات والأقسام والبرامج ونخرج في كل عام أفواجا من الشباب العاطلين برغم توفر آلاف الوظائف في سوق العمل، ونحقق في كل عام مراكز تنافسية متقدمة في البيئات الجاذبة للاستثمار ولم تتوطن لدينا بعد لا التقنية ولا فرص العمل، ونطرح في كل يوم مشروعات تنموية كبرى بها مئات الآلاف من فرص العمل الواعدة لأبنائنا إلا أنها تذهب مباشرة لجنسيات أخرى لا تزيد كفاءة إن لم تقل عن كفاءة أبناء الوطن. إن غياب الاستفادة من المواطن الذي أصبح يحظى بتعليم عال ووعي كبير بالمتغير الدولي عن خطط التنمية المستقبلية أو عدم تمكينه هو بمثابة الهدر الممنهج لإمكانات الوطن على المدى البعيد وهزيمة قاسية للوطن في معركة التنمية الأممية، سيكتشفها واضعو السياسات الاقتصادية والاجتماعية التنموية ومراقبو تطبيقها حين يفيقون ويرون أن أفضل ما قاموا به هو التنمية في مكان آخر وأن هذه الجسور والأنفاق وناطحات السحاب والمشروعات والمدن تنمية للحجر في واقعها قبل البشر وستتهاوى مع أول هزة اقتصادية دولية ولعل الشواهد على ذلك لاتزال لا تبرح ذاكرتنا الخليجية. إذا لم يقس تعليمنا بنجاحه في فرض مخرجه التعليمي على السوق المحلية والدولية ومحاسبا على ذلك، فليس فخرا لنا عدد الجامعات التي نملكها وبين ظهرانينا 7 ملايين أجنبي يقضمون بنيتنا التحتية ليل نهار نهديهم التدريب والتجريب ويهدوننا الفقر والبطالة، وإذا لم يكن المستثمر الأجنبي لدينا استثمارا لنا بالدرجة الأولى فيما لديه من إمكانات من عملة صعبة وتقنية متطورة فليس فخرا لنا المراكز الأولى التي نحققها في التنافسية والجاذبية للاستثمار واحتفاظه بالتقنية والسيولة النقدية وفرص العمل لوطنه الأم والأرباح وترحيل الخسائر وخفض راس المال الاستثماري. وإذا لم تكن مشروعات التنمية العملاقة التي نبنيها بين الحين والآخر تزيد من خيارات المواطن في الرخاء والاستقرار والعمل فليس فخرا لنا هذه المستعمرات الخرسانية التي تبيع لنا ولا تشتري منا. إن الإنسان السعودي الذي يغيب حاليا عن واقع التنمية وإن تصدرها في الندوات والمؤتمرات هو المعيار الصحيح لقياس النجاح، فمتى ما أصبح توظيفه حلم كبرى الشركات المحلية والأجنبية ومعدلات مستوى معيشته من أعلى المعدلات وحقوقه الصحية والبيئية كاملة وغير منقوصة تحت أي ذريعة ومستقبل أبنائه مرسوما بكل عناية ووضوح، كانت التنمية في بلادنا مستدامة وحقيقية.. حلولنا التنموية مثمرة. * أكاديمي وباحث في قضايا التنمية