من هنا مرت الحرب إلى غير رجعة.. لكننا نحارب.. ومن هنا نبني حلب لبنة لبنة ونحارب.. نتزاوج، نتعلم، نأكل ونشرب.. ونحارب.. نعيش حياتنا كما الآخرين في مأمنهم.. ونحارب.. وأخيرا سوريا للجميع.. هذه الكلمات التي استوحيتها من زيارتي إلى سكن الشباب في حلب.. الذي يعيش يومه بين الحرب واللاحرب.. هو في وسط العاصفة لكن هدوء أهله وصبرهم يبدد هواجس ومخاوف الحرب. للوهلة الأولى شعرت أنني لست في مدينة حلب التي طالما سمعنا عن معاركها الضارية.. وبعد مضي ساعة على حوار ساخن ومشوق مع قيادات من لواء شهداء بدر في السكن الشبابي - حول الحرب والقتال وقصص الثوار وإصاباتهم بقناصات النظام- بدأت القذائف تنهال علينا.. على أمل أن تتوقف في آخر الليل.. لكنها عكس ما تمنينا أصبحت كزخات المطر.. عندها بدى الذعر يسيطر علىّ بشكل واضح، فالمشهد غريب ومخيف يحتاج على الأقل على التعود الذي لم أمتلكه بزيارة لم تتجاوز العشرة أيام. رغم يوميات الحرب القاسية وأضرارها اليومية، إلا أن لواء شهداء بدر الذي يسيطر على السكن الشبابي استطاع أن يشعر ساكني الحي بالأمان، لما يقدمه من خدمات معاشية يومية ومستوى عال جدا من الحماية. أمر مثير للاحترام والإعجاب معا أن ترى حيا في وسط حلب ليس ببعيد عن واجهة الأحداث - خصوصا قربه من جبهتي الأشرفية وصلاح الدين- يعيش بهدوء وكأن الحرب مرت من دون رجعة إلى هنا.. في هذا الحي ترى ملامح الدولة المنظمة والدقة في إيقاع الحياة اليومية، ومساع حثيثة لتأمين كل ما يحتاجه الأهالي من طعام وشراب ودواء.. حتى أنهم يشرعون في بناء مستشفيات خاصة، مفتوحة لكل من يريد العلاج. يمتلك لواء بدر القدرة على تسيير أحياء بأسرها من خلال الدقة والتنظيم والانضباط العالي الذي يبديه عناصره في الحرب والسلم، فالأولوية للقتال ضد النظام ولكن لحيك وأهلك عليك حق.. حتى أن الشوارع التي تشوهها قذائف النظام، ما هي إلا دقائق حتى يندثر أثر هذه القذائف. في الحرب فعلا.. الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.. هذا كان واقع الحال في مخيم السكن الشبابي.. فالجبهة تريد وتلبية احتياجات الأهالي مطلب.. لذا لا مجال لإضاعة الوقت، وإلا فالفوضى بالمرصاد.. فمنذ الصباح الباكر في الساعة الثامنة تجد المسؤولين عن الحي على أهبة الاستعداد، منهم بالزي المدني وآخر بالعسكري، وحقيقة لا فرق بينهم فالمدني ذاته عسكري، إلا أن ارتداء الزي المدني يضفي على الأهالي الأمن ويبعدهم عن أجواء الحرب. في الساعات الأولى من الصباح يتم توزيع المهام العسكرية والمدنية، ليبدأ يوم مزيج بين الحياة المدنية والعسكرية، وفي داخل هذا السكن يوجد مصانع صغيرة - هي صنعة الحلبيين- تعمل بالرجال والنساء، لتحارب بيدها إلى جانب الكلاشينكوف.. يجسد السكن الشبابي في حلب النموذج المطلوب لكل سوريا المحررة.. إصرار على البناء.. انضباط في الأداء.. هذه المشاهدات كانت الأكثر رسوخا في ذاكرتي من حلب المحررة.. وربما لا يستوعب المرء وجود مثل هذه الأحياء في حلب.. إلا أن هذا فعلا ما شاهدته «عكاظ».. والأدهى من ذلك.. تسمع في نهاية الزيارة لسكن الشباب.. لواء شهداء بدر يتعهد بحمايتك.. هذه المعادلة الصعبة في سوريا..