بوجه شوهه الحزن.. ونبرات أنهكها البكاء والنحيب، استقبل مناحي وشقيقته مزون «عكاظ» بمنزلهما الواقع في محافظة خميس مشيط، ليحكيا قصة غلفها العفاف عن سؤال الناس، أبرز فصولها المرض والأخطاء الطبية، وبحنية والد وحرقة عاجز يروي لنا أبو (مناحي ومزون) تفاصيل حكايته، حيث بدأت رحلة المواطن حمد آل دشان قبل ما يقارب العقد، فبعد أن قرر إكمال نصف دينه بزواجه، وإنجابه طفلين شاء الله أن يكونا معاقين فكريا وجسديا، فالطفلان بدأت عليهما من الصغر علامات التبول اللا إرادي، فراجع على الفور مدينة الملك فهد الطبية وحينها أكد الأطباء أن طفلاه يعانيان من أمراض عدة، لتبدأ سلسلة اكتشاف الأمراض التي أصيبا بها. وذكر والد الطفلان، عقب إجراء القياسات النفسية والملاحظات الإكلينيكية في مدينة الملك فهد طبية أكد الأطباء أن مناحي ومزون يعانيان من صعوبات فكرية وأخرى تتعلق بالتواصل الاجتماعي وتعد إعاقتهما من الإعاقات الدائمة والمستمرة مدى الحياة. وأضاف «عقب اكتشاف الخلل النفسي لدى مزون وشقيقها، أبلغنا الأطباء بضرورة إجراء عملية (قص معدة) لكليهما وذلك لمحاولة التخفيف من السمنة المفرطة التي يعانيان منها، ناهيكم عن منع سمنتهما أحيانا الأطباء من إجراء بعض العمليات، وقد أجريت لهما العملية بمستشفى الملك خالد الجامعي، ولكن عادت السمنة من جديد لتعيد معها معانتا مرة أخرى، ولدي تقارير تؤكد حاجتهما لعلاج في مستشفى متقدم بالخارج». وبصعوبة بالغة، واصل والد مزون ومناحي الحديث وهو يراقب نظرات أطفاله التي امتزجت فيها البراءة بالألم وقال «أكد تقرير طبي صدر عن مستشفى الملك خالد الجامعي أن (مزون) التي كانت تبلغ من العمر 11 عاما -آنذاك- بحاجة لعملية جراحية في قدمها اليسرى وذلك بإدخال سيخ معدني لتثبيت الساق اليسرى؛ نظرا لعدم التئام كسر جراحي متعمد أجري لها منذ سنتين بمدينة الملك فهد الطبية، أما مناحي فلم يكن أحسن حظا من شقيقته، حيث اضطر الأطباء إلى تركيب (براغي) في ركبته لإيقاف نموه إثر خلل يعاني منه، فضلا عن تقوس في ساقيه لا تخطئه العين». ما أن رفع النداء إلى الصلاة حتى سارع (مناحي) بالترديد خلف المؤذن بكلمات غير مفهومة يعجز عن إطلاقها، وهنا كشف لنا والده بأن مقياس النضج الاجتماعي في أحد المراكز الصحية قد كشف بأن مناحي يعاني من تأخر لغوي شديد، وأوصى بالاستفادة من البرنامج التأهيلي لعلاج أمراض النطق والكلام، في جلسات للتخاطب لمدة عشرة أشهر. وزاد «منذ ستة أشهر تعاني مزون من نزيف دموي، راجعنا خلالها مستشفيات عدة، دون أي تجاوب، ومعظم المستشفيات رفضت استقبال الحالة، إلا أن إحدى عضوات الكادر الطبي بأحد المستشفيات التي رأت ضرورة فحص مزون وتقديم المساعدة الطبية لها نظرا لما تعانيه من نزيف ومن ثم اكتشف سبب النزيف وصرف لها العلاج اللازم». وقال المواطن حمد آل دشان، إن قلة ما باليد حالت دون علاج مناحي ومزون في المستشفيات وقال «فصلت من عملي لأسباب خاصة صادفت ولادة ابني مناحي في عام 1420ه، ومن وقتها تدهور وضعي المعيشي، وهنا بدأت في السعي لطلب الرزق وعملت في إحدى مؤسسات نقل البضائع متقاضيا مبلغا زهيدا لا يفي بمتطلباتي وأسرتي، ولا يسد رمق العيش، فانتقلت كاتبا أمام إحدى الإدارات الحكومية بعسير لمدة عامين». انتقلت أسرة (مناحي ومزون) للرياض لعلهم يجدوا مصدرا للرزق الحلال الذي يفي بمتطلباتهم، وحتى تكون قريبة من المستشفيات والمراكز الطبية التي كان الطفلان يراجعانها، حيث عمل آل دشان بإحدى شركات تأجير السيارات لمدة ثلاث سنوات، ولم تكن والدة الطفلين في منأى عن معاناة ولديها، حيث حكى لنا زوجها صدمتها من الأمراض المتتالية التي ابتلي بها طفلاها واغتيال أحلامها الوردية، وقال «كنت أنا ووالدتهما نراقب فلذات أكبادنا يتألمان ونحن لا حول ولا قوة لنا، ونتبادل نظرات الحسرة والأسف». وختم بالقول «عجزت عن تسديد ديوني البالغة نحو 140 ألف ريال، وأسكن في منزل مستأجر أسدده من مخصص الضمان البالغ 1100 ريال لكل طفل، كما أن مستشفى في المنطقة الجنوبية عطل منذ أشهر إنهاء إجراءات معاملة صرف الإعانة الخاصة بالمرضى المحولين للعلاج خارج مقر إقامتهم».