أكد علماء وأكاديميون شرعيون على ضرورة التفاف أبناء الوطن حول قيادتهم وعلمائهم والحذر من بث الشائعات والحديث فيما لا يحسنه الشخص أو يفهمه، كما حذروا من خطورة نشر الوثائق والأوراق الرسمية في المواقع المختلفة، وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، لافتين إلى أن ذلك يسهم في تقويض أمن المجتمع ويعود عليه بالضرر. وبينوا في حديثهم ل«عكاظ» أهمية الدعاء للمسلمين المنكوبين في كل مكان، وخصوصا في سوريا التي تشهد أحداثا مأساوية، وأن دور المسلم يتوقف عند الأمر الذي يستطيع فعله، ولا يحاسب عند تركه، مشيرين إلى أن الوقوف صفا واحدا مع الجماعة من أسباب الوقاية من الفتن والانقسامات والصراعات المدمرة. يد واحدة مدير الجامعة الإسلامية الدكتور محمد بن علي العقلا أكد أن الفتن من سنن الله في الخلق، مشيرا إلى أنه لا بد للمسلم في هذه المرحلة والزمن المتلاطم بكثير من الفتن التي ظهرت في وقتنا الحاضر أن يلجأ إلى الله، ثم إلى العلماء، والالتفاف حول القيادة الرشيدة التي تبذل كل ما تستطيع من جهد ووقت ومال وفكر في سبيل الرقي بهذه الأمة ومواصلة دورها في خدمة الإسلام والمسلمين. وقال: نجد أن الفتن تستوجب على الجميع أن يكونوا يدا واحدة متعاونين مع ولاة الأمر، متبعين لما يصدر من هيئة كبار العلماء التي تسعى وتبذل كل ما تستطيع من أجل توحيد كلمة المسلمين، والبعد عن أي مظهر من مظاهر الخروج عن ولاة الأمر؛ لأن مثل هذه الدعوة والترويج للشائعات التي تقسم الرأي وتحدث مزيدا من الخلاف بين أبناء الأمة لها آثار وعواقب سلبية، ولنا في كثير من الأمم والدويلات عبرة وعظة، فنجد أن من أسباب التمزق والخلافات عدم تماسك أفراد الشعب. وأضاف: من هذا المنطلق أقول إن الترويج للشائعات وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي له آثارها وانعكاساته السلبية على تماسك الوطن، وبالتالي فإننا نتمنى ونرجو من الجميع الالتفاف حول القيادة والاستماع لكل ما يصدر من هيئة كبار العلماء، وعدم الاستماع للمغرضين الذين يسعون إلى تخريب أبناء الشعب، فإن المتأمل يجد أن ما أصاب الدول المجاورة من عدم استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي مرده التذبذب والانقسامات والتحزبات والصراعات، ولا أخطر علينا هذا الزمن من الحزبية المنتنة التي تفرق بين أفراد الاسرة الواحدة ولها آثارها السلبية، ولذلك فإننا لا نلتفت إلى الدعوات الحزبية المغرضة التي يعرف ما ينجم عنها من آثار سلبية. وقت عصيب أما عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور هشام بن عبدالملك آل الشيخ، فيقول: لا شك أن الأمة الإسلامية تمر بوقت عصيب، حيث إن إخواننا في عدد من الدول يعيشون لحظات عصيبة يحتاجون فيها إلى بقية إخوانهم في العالم الإسلامي، وذلك بالدعاء لهم أن ينصرهم الله على من اعتدى عليهم، وأن نقف صفا واحدا خلف وولاة أمرنا وعلمائنا في دعم الحق ونصرة المظلوم، وأن لا نقصر في شيء مما أوجبه الله علينا تجاه إخواننا بالدعاء لهم وعدم نسيانهم في مواضع الاستجابة. وأضاف: المسلم والمواطن الصالح يجب أن يقف خلف ولاة أمره لدعم مسيرتهم نحو الإصلاح والحق بعدم إفشاء ما تنويه الدولة وما ترغب فيه من أمور معينة، كما لا ينبغي للمواطن أن يظهر الشائعات ويوصلها عبر مواقع التواصل وأن ينشر الخطابات الرسمية، سواء الخاصة بالقطاعات الرسمية أو العسكرية أو غيرها من الأوراق الحساسة؛ حتى لا يعين الأعداء ببث أخبار الجهات الأمنية إليهم، وينبغي لكل مواطن أن يقف خلف ولاة الأمر وعلماء هذه البلاد، وأن يكرس جهده في الدعاء للمظلوم بأن ينصره الله ويعلي كلمته ويظهر دينه على الدين كله. وزاد «لا شك أن الحديث في الأمور السياسية ممن لا يحسنها يدخل الإنسان في متاهات وأمور لا تحمد عقباها، وقد قيل قديما: (من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب)، كما ينبغي لكل مواطن أن يعرف قدره ومهمته ولا يتحدث أو يقحم نفسه في مجالات لا يحسنها ويدعها لمن يحسنها». ولفت إلى أن الحديث عن الأمور السياسية من غير مدرك يترتب عليه شائعة أو إثارة لفتنة أو حصول أمر غير محمود؛ لأنه سينتشر في المجتمع، وكل ذلك بسبب عدم إحسان ذلك الشخص الحديث في أمور لا تعنيه ولا يحسنها، فترك مالا يعني المسلم أمر مطلوب حث عليه الدين الحنيف، والمهم أن ننصر قضايا المسلمين، خصوصا في سوريا بالدعاء لهم وأن يظهر الله دينه. المنهج الأحكم من جانبه، شدد عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور إبراهيم المطلق على أن الكتاب والسنة بينا منهج التعامل مع الفتن، مستشهدا بقول الله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، وكذلك حديث النبي في التعامل مع الفتن وعدم الخوض فيها الذي رواه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وكان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكان يسأله عن الشر مخافة أن يقع فيه، وجاء في آخر الحديث عندما سأل حذيفة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أخبره بحال الفتن في آخر الزمان: فما تأمرني إذا يا رسول الله، فقال له: «الزم جماعة المسلمين وإمامهم»، وهذا هو المنهج السليم في التعامل مع الفتن. وأضاف: لزوم جماعة المسلمين وإمامهم وهو الإمام الأعظم الذي له البيعة وحق السمعة والطاعة، ثم عدم الخوض في هذه الفتن والتعرض لها مطلوب، بل من الحكمة والحنكة والفطنة والتمسك بالنصوص عدم الخوض في الفتن والحذر منها والبعد منها حتى لا يفتتن الإنسان بها أو يتعرض لأي شبهة، فولاة الأمور لديهم من المستشارين الشرعيين والسياسيين، فهم أعلم بأمور هذه السياسة وأدرى بها والتعامل معها واتخاذ القرارات المناسبة لها، ولذا من الدين والحكمة عدم الخوض في مثل هذه الأمور السياسية وترك الأمر لمن ولاهم الله الأمر، فهم أعلم وأدرى بها، وفي الحديث (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه). وزاد «نحن نلاحظ ونقرأ تغريدات البعض هداهم الله ممن دخلوا في مثل هذه الأمور وبدأوا يصدرون فتاوى يطلقون من خلالها بعض الأقوال التي لا صالح منها، والتي شرها وضررها أكبر، وربما يكون بعضها شرارة فتنة في مجتمع مسلم مسالم اجتمع على الكتاب والسنة وعلى ولاة أمره». وأكد على أهمية الحذر من مثيري الفتنة وحث الجميع على التمسك بالوحيين وهدي سلف الأمة رضوان الله عليهم في التعامل مع الفتن وولاة الأمر بالسمع والطاعة بالمعروف ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم وعدم خوض المسلم فيما لا يعنيه، فليس كل إنسان يحسن التعامل مع القضايا والأمور التي ملأت الساحة التي تحتاج إلى خبراء سياسيين ومستشارين شرعيين كبار، وليس كل من حمل شهادة دكتوراة أو غيرها من شهادات علمية أو تخصصات فكرية عنده إمكانية التعامل مع الأمور المختلفة ومعالجتها العلاج السليم، ولذا جاء في المثل (أعط القوس باريها). وخلص إلى القول: «نصيحتي للجميع أن يحرص كل فرد على سلامته في الدنيا والآخرة، فيسلم في الدنيا من التعرض للمساءلات أو الوقوع في منزلقات أو مصائب، ومن غوائل إطلاق لسانه وقلمه والتكلم والكتابة فيما لا يحسن، وربما نتج عن كلامه فتن أو ضرر أو مصيبة، أما في الآخرة فهو بلا شك سيعرض نفسه للحساب في الآخرة، وفي الحديث الشريف: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم). حساسية الموقف بدوره، قال الدكتور غازي بن غزاي المطيري أستاذ كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: الناظر إلى الأحداث المعاصرة على الساحة العربية خاصة يدرك، حساسية الموقف وخطورة الكلمة وتداخل العلاقات البينية، فلم يعد بلد ما بمعزل عن الآخر، ومن هذا المنطلق فإن النار إذا اشتعلت تقذف بالشرر ولا حدود لهذا الشرر، وقد يقع في منطقة مهيأة للانفجار وتكون أعظم انفجارا من البلد الأصلي، ولذلك يستلزم الوضع وعيا جمعيا ورأي عام متفق عليه، وأرى أن المدخل الصحيح هو الذي يدخل على المخرج السليم، فإذا عرف الفرد الحد الأدنى من العواصم والضمانات أمكن للجميع أن ينجو من هذه الفتن، ومن ذلك: أن يكون المسلم بريئا بلسانه وقلمه من دماء المسلمين، فالتهور والتسرع في الدماء أمر خطير، فلا ينبغي لمسلم أن يتسرع في إباحة دم مسلم والعافية لا يعدلها شيء، الاعتصام والالتفاف حول ولي الأمر، فالأمن مائدة مستديرة يتقاسم الجميع حقوقها وحظوظها وثمراتها بدون استثناء لا فضل لغني ولا فقير ولا حاكم ولا محكوم فهم في هذا الأمر سواء، الحذر كل الحذر من الشائعات وأن يعرف المرء قدر نفسه ولا يتورط فيما لا قبل له به، ونرى البعض للأسف الشديد تراه أحيانا محللا سياسيا وأحيانا مفتيا وأحيانا أخرى منظرا، فدائما يقال الشر في التفاصيل، وأن ينظر الناظر إلى العبرة من الحاضر، فما من بلد مرت عليها هذه الفتن إلا وتمنى أهلها العودة القهقرى وإلى ما سلف، فليحذر الشباب من الانسياق وراء مثل هذه الدعوات الخطيرة. وأضاف: لا أجد حرجا في بيان أن المملكة العربية لسعودية على وجه الخصوص لها خصائصها النادرة ومقوماتها المختلفة التي تنفرد بها، حيث إنها قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، وأن اختلال الأمر في ربوعها شر لا يقع على فرد أو جماعة بقدر ما يكون عاما وشاملا، فعلى جميع من يتعاطى الحدث، سواء من خلال الكتابة في القنوات المعاصرة أو ممن له علاقات سفر أو غيره، أن يدرك خصوصية بلده ويكون قدوة وأنموذجا للاعتدال والتثبت والوسطية، وأن نكون محل ثقة الجميع، ولذلك عبر التاريخ وصفحاته المحايدة ودواوينه الخالدة لم ينج من فتنة إلا من عصم لسانه وأغمد سيفه وألجم قلمه، فحين تضع الفتن أوزارها يعض الخائضون أصابع الندم، ولا شك أن ظروف العصر الحاضر وقوة التواصل تقدم لنا بعض الحوافز لأن نقف موقف المصلح والداعي، بدلا من موقف المخاصم والمجادل والمتورط، فالمملكة في حكامها وعلمائها ورجالها وشبابها هم شامة بين الناس وقدوة ليس للعرب فقط ولا للمسلمين بل للعالم أجمع.