ما إن تعرف حجم مهامه حتى تستشف أنه شخص إداري بامتياز. قادر على تحقيق التوازن بين القيادة وحسن التعامل مع الطاقم البشري الضخم الذي يعمل في هذه الفروع. حقق عبدالصمد القرشي نجاحات تجاوزت سنه، صقلته الحياة العملية والتجارية، لتجعل منه قياديا بارزا. ثمة مواقف مؤثرة شكلت منعطفا في تكوينه الشخصي، منها رحيل والده أمام ناظريه فجأة في سكتة قلبية وهو يؤم الناس في مسجد الحي. كان ذلك الموقف نقطة تحول نحو تحمل المسؤولية بكل أبعادها، وبوصلة تحد جديدة صوب المستقبل لابن الثمانية عشر ربيعا آنذاك. بعد هذه الحادثة، شق عبدالصمد طريقه في التجارة لتكون باريس مدينة العطور العالمية، أولى محطاته في المهنة «الناعمة»، وأثبت قدرته هناك على تحمل المسؤولية. يقول القرشي «صادفنا عقبات كبيرة واستطعنا التغلب على تلك العقبات لنؤكد للعالم بأننا ننافس بصدق وأمانة. ويستذكر محمد القرشي صوت أبيه وهو يناديه قبل كل صلاة: أوقفوا البيع والشراء وتهيأوا للصلاة، ويضيف «كان يردد في مسامعنا دوما (الصلاة والأمانة في المعاملة والصدق ستقودكم للعالمية والنجاح)، رسمت بتلك الوصايا خارطة طريق نجاحنا، فعلا كان رحيله فاجعة ليلة العيد حيث توفي وهو يصلي بالناس فسقط في محراب المسجد، أسموه الناس شهيد المحراب». ويسترسل في حديثه: نحن عائلة في مجال التجارة والتي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد. إذ ضم في تجارته تركيب أندر الخلطات بالعطور. ولأهمية المشاعر والأحاسيس الخاصة التي يزرعها العطر في الإنسان، فقد جال عبدالصمد القرشي بقاع الأرض المختلفة، فاختار أجمل ما كونته الطبيعة من أزهار وأعشاب، فجمع أروعها. وجلب أندرها وأعطرها، عبر رحلات مختلفة وبمزج هذه الأزهار والأعشاب الرائعة النادرة وغيرها، تمكن الشّيخ المبتكر من إنتاج خلطات زكية، فكانت نقطة تحول. وخلقت أحاسيس جديدة لم تعرف من قبل، تخطت معها حدود الحواس لتصل إلى أعالي قمم الخيال. هذا الإبداع المتميز في عالم العطور، نبع من شخصية مميزة فريدة، تمتع بها والدي عبدالصمد القرشي، فكان رحمة الله عليه رجلا عصريا، ملتزما بالوسطية والأخلاق الحسنة، متمتع بروح النكتة والدعابة الّتي تعكس جمال داخله وروحه، مرسخ بالأصالة والوفاء وحسن الانتماء، معتز بعروبته ومعبر عنها حتى في زياراته لكبرى الشركات في العالم. ففي سويسرا مثلا أهدى زيه الوطني لمالك إحدى الشّركات، فاعتبرت لفتة مميزة منه، ذات قيمة معنوية عالية هذا التاريخ العريق.