كل شيء في منطقة البلد بجدة خلال أمسيات رمضان يحمل نكهة الزمن الجميل، فمن بسطات البليلة إلى مواقع الأكلات الرمضانية يجد الإنسان نفسه يمشي في عالم من الماضي الجميل. وفي أمسيات رمضان فإن من يتجول في شارع قابل وردهات سوق الخاسكية والأزقة التي تحمل عبق الماضي يشاهد بأم عينه المظاهر التي يمكن أن تفتح كوة للماضي بكل تجلياته. «عكاظ» تجولت في ردهات سوق الخاسكية واستمعت إلى هتاف مجموعة من الشباب من باعة البليلة من أجل استقطاب المشترين وكان كل واحد منهم يهتف بحميمية ويصوغ بعض المواويل التي تصف البليلة، بحيث لا يستطيع الزائر للسوق المرور بسهولة لكثرة المتسوقين في هذا الموقع. البداية كانت مع شاب يرتدي الزي الحجازي، الذي سرد قصصا عن حياته وكيف بدأ ببيع البليلة وورث البسطة والمهنة عن والده. وأضاف الشاب أن البسطة تمثل موروثا جميلا للعائلة وارتباطا وثيقا جيلا بعد جيل، ليس لدى الشباب فقط بل وحتى النساء في المنازل لأنهن يقمن بإعداد البليلة ومستلزماتها من مخلل وفلفل وكمون وملح وخل، وليمون وبطاطس ولوازمها، والزي الحجازي الذي يحكنه لأبنائهن وأزواجهن حتى يظهروا بمظهر جميل يليق بهم كبائعين يحافظون على تراث جدة القديمة. وتحدث الشباب وكبار السن أصحاب البسطات أن المنطقة التاريخة «البلد» تشكل رابطا لدى الأهالي لما تحتويه من تاريخ قديم وتراث يمثل المظاهر الرمضانية القديمة. من جهته أوضح صلاح الطلحي أن البليلة يتذوقها الأهالي لارتباطهم بها، وللأجواء التي يشعرون بها حين الحضور إلى المنطقة التاريخية، ويأتينا زوار كثيرون، يطلبون منا الأهازيج التي لا نتردد عن تكرارها طيلة فترة بيعنا في الموقع.. حيث نقول بصوت جماعي عال: بليلة بالكوسة وتعالي ذوقي يا عروسة مهدي إبراهيم شاب في مقتبل العمر، أفاد بأنه يحضر مع والده منذ صغره، وتعلم فن طهي البليلة وبيعها والتعامل مع الزبائن من والده الذي لا يتردد بأخذه معه كل عام، حتى وصل لسن الشباب فطلب من أبيه المساعدة وترك الفرصة له لبيع البليلة والتعامل المباشر مع الزبائن، فوافق والده الذي يسانده بالوقوف خلفه ودعمه ومشاركته حين يكتظ المحل بالزبائن والزوار. عبدالرحيم الغامدي (أحد الباعة) يشعر بالفخر وهو ينقل الظواهر الرمضانية والحجازية للزوار من جميع مناطق العالم، حيث أفاد بأن المنطقة التاريخية تكتظ بالزائرين الأجانب الذين لا يتوانون عن سؤالهم عن البليلة وماهيتها ومن أين يأتون بها وطريقة طهيها، والتصوير معهم والاحتفاظ بالصور. وأفاد عبدالرحمن عبدالعزيز أن باعة البليلة بينهم شباب في المرحلة الجامعية، وبينهم موظفون حكوميون ومنهم شباب في المرحلة الثانوية، يأتون كل عام ليس لأجل التكسب فقط بل لأجل الاستمتاع بالمظاهر الرمضانية ومقابلة الزوار والحديث معهم وكسب علاقات اجتماعية متعددة مع كل فئات المجتمع وزوار المنطقة من خارج جدة. من جهته أوضح يوسف سعيد بأنه يشعر بالحزن على بعض الشباب وكبار السن الذين كانوا في العام الماضي يشاركونهم بيع البليلة لأن الله توفاهم ورحلوا عن الدنيا، وأن بسطاتهم قد ورثوها لأفراد عائلاتهم.