بدء الاقتراع الرئاسي في نيوهامبشر بالولايات المتحدة    الاستخبارات الأمريكية تكثف تحذيراتها بشأن التدخل الأجنبي في الانتخابات    الأكبر في الشرق الأوسط.. مقر عالمي للتايكوندو في الدمام    العالم يترقب الرئيس ال47.. وأمريكا تتأهب لسيناريوهات الصدام    كيف يعود ترمب إلى البيت الأبيض؟    تعليم الطائف بدء تطبيق الدوام الشتوي بالمدارس مع بداية الفصل الدراسي الثاني    محافظ الخرج يستقبل مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    انعقاد مؤتمر الأمراض المناعية في تجمع عالمي وطبي    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يرأّس اجتماع المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف    أطفال اليمن يتألقون بتراثهم الأصيل في حديقة السويدي    الطائرة الإغاثية السعودية ال19 تصل إلى لبنان    "الصناعة والثروة المعدنية" تعلن فوز 11 شركة محلية وعالمية برخص الكشف في 6 مواقع تعدينية    المملكة تثري الثقافة العربية بانطلاق أعمال مبادرتها "الأسبوع العربي في اليونسكو" في باريس    توقعات بهطول الأمطار الرعدية على 5 مناطق    مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض يشارك في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة    أرباح «أرامكو» تتجاوز التوقعات رغم تراجعها إلى 27.56 مليار دولار    إشكالية نقد الصحوة    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    النصر لا يخشى «العين»    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    تنوع تراثي    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    منظومة رقمية متطورة للقدية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    1800 شهيد فلسطيني في العملية البرية الإسرائيلية بغزة    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    أمير تبوك يستقبل قنصل بنغلاديش    وزير الدفاع يستقبل نظيره العراقي ويوقّعان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض        مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ميادين القاهرة الفسيحة اكتشفت قصر نظري
نشر في عكاظ يوم 11 - 07 - 2013

تعرفت على معالي الدكتور ناصر السلوم، يوم كان وزيرا للمواصلات، في مجلس الصديق المشترك المحامي والكاتب الأستاذ محمد عمر العامودي وتوطدت العلاقة لأسباب لا صلة لها بعمله، ثم تواصلت اللقاءات في المناسبات الاجتماعية الكثيرة التي يحرص الدكتور ناصر على المشاركة فيها تواصلا مع مجتمعه وأصدقائه وكان من اللافت ميل الدكتور إلى الصمت في تلك اللقاءات وعزوفه عن الدخول في الحوارات والجدل مهما كان الموضوع المطروق. وكان إذا سأل عن أمر يتعلق بعمله أجاب باختصار دون مبالغة أو نفي للواقع. والدكتور ناصر تربطه علاقات صداقة مع الكثير من الكتاب والإعلاميين لكنه قليل الظهور في وسائل الإعلام، رغم قناعته بأهمية أن يطلع الناس على ما ينجز في بلادهم من مشاريع وخدمات لكنه من مدرسة «الأفعال أبلغ من الأقوال».
وحين حدثته برغبة «عكاظ» في استضافته لقرائها تردد لأنه لا يريد الحديث عن قطاع يتولى مسؤوليته زميل آخر لكنه اطمأن حين أكدت له أننا لن نتطرق لوزارة المواصلات وأعمالها ومشاريعها الحالية وسيقتصر حديثنا على بعض الجوانب الإنسانية لناصر السلوم الطالب والمهندس والزوج والأب والمتقاعد. وأنا على يقين من أن ما سيطالعه قراء «عكاظ» هنا لا يغطي كل ما يودون معرفته عن هذا الرجل فما بين يديكم «لقطات» سريعة يمكنها أن تثير أسئلة لحوارات قادمة.
• الصرخة الأولى.. أين كانت ومتى؟
•• بداية حياتي كانت في المدينة المنورة، المدينة المقدسة، مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم التي قال فيها: «المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون».. مدينة فيها البركة، ناسها حلوين طعمين كلهم عائلة واحدة، وأحمد الله، سبحانه وتعالى، أنني ولدت في المدينة المنورة ونشأت فيها، فبداية حياتي حتى الانتهاء من المرحلة المتوسطة (الكفاءة) كانت في المدينة المنورة.. وتلك السنوات، هي سنوات البناء التي تترك آثارها على مسيرة حياة الإنسان، كانت المدينة وبيئتها الرحيمة الودودة هي التي شكلت شخصيتي، في تلك المرحلة المهمة من حياة أي إنسان، وزرعت ما فيها من نزوع للخير وحب الناس.
• متى كانت الولادة (سؤال يتحرج البعض من إلقائه كما يرفض البعض الإجابة عليه بصراحة).
•• الوالد رحمة الله عليه سجل في التابعية (حفيظة النفوس) أنني من مواليد 1356 وأخي إبراهيم الذي يكبرني بعامين أيضا مسجل بأنه من مواليد العام نفسه 1356ه وهذا يعني إما أنني من مواليد 1358ه وهناك خطأ في السجلات أو أنني، فعلا، من مواليد 1356ه وأخي إبراهيم من مواليد عام 1354ه. وفي كل الأحوال هذا أمر لا يشغلني فالأعمار بيد الله.
• قلت إن بيئة المدينة هي التي شكلت شخصية الطفل ناصر السلوم .. فما هو في نظركم أبرز ما بقي في الذاكرة من سنوات ما قبل المدرسة؟
•• من الأشياء التي أذكر أن للوالد شريكا اسمه صالح القاضي وكان بمثابة الأخ لوالدي، وكان الوالد يعمل في التجارة وصالح القاضي يعمل في الزراعة (الفلاحة) أي أن الوالد تاجر والشريك فلاح ورأيت كيف كان كل واحد منهما يكمل الآخر، يتشاوران ويسمع كل منهما مشورة الآخر. صورة من الشراكة والأخوة والمودة بقيت مطبوعة في الذاكرة. وأتذكر أننا كنا نسكن في قباء، وهو من أحياء المدينة المنورة الشهيرة بمزارع النخيل وعرائش العنب إلى جانب قربه من مسجد قباء، أول مسجد أسس على التقوى في الاسلام، كنت أذهب من المزرعة إلى مسجد قباء لقراءة القرآن في الكتاب.. وكنا ندرس على شيخ في المسجد، للأسف نسيت اسمه لكنني لم أنس شخصيته وحرصه على تعليمنا، كانت فترة الكتاب فترة خاصة نحاط بالكثير من الرعاية ومحدودية الحركة حيث يدور تحركنا ما بين المزرعة والمسجد ولا يترك لنا المجال للحركة الكثيرة، وأتذكر في تلك المرحلة كثرة بساتين النخيل، ومن أشهرها مزرعة عبدالحميد عباس رحمه الله فقد كانت مشهورة بالعنب كما أذكر القلعة التي نمر بها في طريقنا من المدينة إلى قباء أو العكس.
• كيف أثرت البيئة الأسرية وعلاقة الجيران في تكوين شخصية ناصر السلوم؟
•• أهل المدينة كلهم أثروا في تكويني.. رأيت فيهم الحنان والعطف، كانت علاقات الناس تشعرك بأنك بين أهلك وكأن المدينة كلها «بيت كبير» عائلة واحدة، الكبير يعطف على الصغير والصغير يحترم الكبير.. وهناك الكثير مما يقال في هذا المجال ويعرفه كل من عاش في تلك المرحلة، فطبيعة أهل المدينة ورقتهم وتعاطفهم وتراحمهم معروف مشهور.. ومن الصور التي لا أنساها أنني في أحد الأيام رأيت سيدة من الحجاج الإيرانيين تسجد على حجر صغير.. وكنت حينها طفلا أتصرف كما يتصرف أمثالي بدون تقدير العواقب.. عندما رفعت الحاجة رأسها من السجود خطفت الحجر وركضت وإذا بالسيدة الحاجة تقطع صلاتها وتركض خلفي.. وكلما أسرعت في الركض زادت من سرعتها، ودخلت بها أزقة ضيقة ومنعطفات لكنها لم تتوقف وظلت تلاحقني وفجأة وجدت رجلا مهيبا عليه مشلح أمامي ورأى في عيني الخوف والهلع ورأى الغضب وما قد يترتب عليه من تصرفات في عين الحاجة، فما كان منه إلا أن فتح عباءته وضمني إليه مطمئنا بأنني نجوت من العقاب، وقال لي هات الحجر، فأعطاه للحاجة فانصرفت. هذه الصورة مطبوعة في خيالي لا تفارقه تذكرني دائما بعطف أهل المدينة.
• أين كانت السنة الأولى الابتدائي؟!
•• كانت بالمدرسة المنصورية في العنبرية وفي ذلك الوقت كانت توجد ثلاث مدارس ابتدائية هي: المنصورية، الناصرية، والنجاح، إلى جانب مدرسة العلوم الشرعية التي سبقتهم، وأذكر أساتذة تلك المرحلة وعلمهم وهيبتهم وقدرتهم على التعامل مع الأطفال وإيصال المعلومات إليهم بروح أبوية. وأذكر منهم الاستاذ أحمد حميدة وكان يدرسنا الحساب، والاستاذ علي قمقمجي.
• من تذكر من زملاء الصف الأول ابتدائي؟!
•• الحقيقة أنني نسيت أسماءهم لكن أذكر أن أحدهم عمل لاحقا في الخطوط السعودية وكان هو وزميله الآخر يتنافسان على الأول والثاني وكنت أنا معهم في المنافسة مع أخي إبراهيم.
• ماذا تركت المدرسة الابتدائية في ذاكرة الدكتور ناصر السلوم؟
•• أذكر أنني كنت من الطلاب المجتهدين المهتمين بالدراسة وكنت هادئا لا أشارك في «شقاوة» التلاميذ المعهودة فكان الأساتذة إذا خرجوا من الفصل أوكلوا إلي مهمة ضبط النظام وإبلاغهم بما حدث أثناء غيابهم.. (عريف).. وكنت في منتهى البراءة حيث أروي ما يحدث بالتفاصيل الدقيقة حتى الأشياء التي يفترض ألا أرويها، وكان الاساتذة يضحكون من هذه البراءة.
كما أذكر ذهابي إلى الدكان وما يجري في السوق من تعاملات تعتمد على الثقة والأمان حيث يترك صاحب الدكان دكانه مفتوحا ويذهب إلى الصلاة دون أن يمس أحد شيئا مما في الدكان.. وكنت ألاحظ اهتمام الناس بما يحدث من حولهم حيث يقابلني البعض بالتهنئة على النجاح حتى من غير أهلي.. وأنا أذكر أن الشيخ عبدالعزيز التركي رحمه الله كان يعطيني ريالا فضة عند كل نجاح حتى أصبحت عادة. ووجدت نفسي أركض إليه حين تطلع النتائج، رحمه الله فقد ترك في ذاتي تشجيعه أثرا كبيرا.
• الدكتور ناصر السلوم المسؤول والوزير معروف بين أصدقائه ومعارفه بالهدوء والتأني وعدم رفع الصوت والبعد عن الجدل، فهل ناصر السلوم التلميذ كان هادئا؟
•• تستطيع أن تقول إن التلميذ ناصر كان «على نياته» بريئا جدا يروي الحقائق كما هي. ليس لديه دهاء يخفي الأشياء أو يلونها، وهذا يجعل الكثيرين يضحكون منه أحيانا لكنه لم يصنع له عداوات مع زملائه.
• المرحلة الثانوية مختلفة عن الابتدائية، فماذا عن تلك المرحلة حيث كان حامل الشهادة الثانوية والتوجيهي ينظر له نظرة احترام وتقدير؟
•• درست في مدرسة طيبة وكان مديرها المربي الكبير الاستاذ أحمد بشناق ومراقبها الشهير الاستاذ محمود اسكندراني رحمهما الله وكنت كما قلت طالبا هادئا لا يلفت الأنظار ولا يثير أي مشكلات ولهذا مرت المرحلة بسلام مع الاستمرار في الاجتهاد.
• من تذكر من زملاء الدراسة في تلك المرحلة؟
•• أذكر منهم معالي الدكتور غازي عبيد مدني، مدير جامعة الملك عبدالعزيز السابق وإن كان يكبرني بسنتين ورضا خشيم رحمه الله وهاشم حكيم وعبدالعزيز حكيم ومحمد سعيد دفتردار.
• من مِن الأساتذة الذين تركوا بصمة في حياة ناصر السلوم واحتفظت الذاكرة ببعضهم؟
•• الاستاذ صالح الحيدري والاستاذ محمود اسكندراني ومدير طيبة المربي الكبير الاستاذ أحمد بشناق رحمهم الله ومجموعة من الاساتذة المصريين الذين كانوا أصحاب رسالة يعلمون طلابهم بإخلاص كبير.. أحدهم اسمه الاستاذ الأزهري، كان يدرسنا اللغة الانجليزية.. أساتذة تلك المرحلة لم يكونوا يؤدون واجبهم باعتبارهم موظفين، بل كانوا أصحاب رسالة يمارسونها برغبة ملحوظة إلى جانب سعادتهم بالعمل في المدينة المنورة وتعليم أبنائها.. وأذكر من أساتذة تلك الفترة الاستاذ محمد الخميمي الذي أصبح مفتشا في التعليم لاحقا.
• كيف تقارن طالب الثانوية في تلك الفترة بطلاب الثانوية هذه الأيام؟
•• هناك فرق كبير يلاحظه أمثالي. وأعتقد أن من الأسباب أن المعلم في الماضي لم يكن يمارس عمله باعتباره موظفا بل يؤدي مهمته وكأنه صاحب رسالة.. الآن غالبية المدرسين يؤدون أعمالهم كموظفين وهناك فرق بين من يشعر أنه يؤدي رسالة وبين من يؤدي واجبا وظيفيا.. والعلاقة التي كانت تربط أساتذة ذلك الزمان بطلابهم ليست موجودة الآن.. كان الاحترام هو الغالب والتقدير، وكان الحرص على التعليم ونقل المعرفة هو هدف المعلمين، طبعا أنا لا أعمم لكن أقول إن هذه هي السمات العامة.
• د.ناصر.. أنت درست الهندسة في المرحلة الجامعية وما بعدها.. هل كانت الرؤية واضحة لطالب الثانوية ناصر السلوم ماذا يريد؟
•• الحقيقة إنني لم أكن أعرف ماذا سأدرس بعد تخرجي من الثانوية، لكن الحمد لله كانت درجاتي ممتازة حيث كان ترتيبي الثالث على مستوى المملكة فرشحت لدراسة الطب.. وكنت ذاهبا للطب ولكن بعض الناس نصحوني بدراسة الهندسة.. والذي نصحني اثنان: الشيخ محمد أبا الخيل وزير المالية الأسبق وكان مديرا لمكتب وزير المواصلات وكان خالي يعمل في وزارة المواصلات والشخص الثاني هو الاستاذ محمد علاقي عضو مؤسسة المدينة للصحافة سابقا وشقيق معالي الدكتور مدني علاقي.. هذان الرجلان هما اللذان وجهاني للهندسة.
• إذن تخرجت من الثانوية وأنت لا تعرف ماذا تريد مثل كثير من الطلاب الممتازين في الوقت الحالي.. وربما يرجع هذا إلى ضعف الإرشاد الاكاديمي.
•• الواقع إنني كنت قد توجهت إلى دراسة الطب.. وربما لو درست الطب ما حققت ما تمكنت منه في الهندسة.
أدركت مدى نظري
• أنت درست في جامعة القاهرة في أواخر الخمسينات من القرن الماضي (1957) كيف رأيت القاهرة وأنت القادم من المدينة؟
•• القاهرة التي رأيتها في ذلك الوقت لم تعد موجودة اليوم فحين أذهب إليها الآن لا أجد تلك التي كنت أعرف.. كانت القاهرة نظيفة، مرتبة أنيقة كل شيء جميل مرتب، المعالم الشوارع.. كانت الحياة زاهية تدعو إلى الاستمتاع بها. والحقيقة إن الإحساس بالفرق بين بيئة المدينة البسيطة المحدودة والقاهرة شيء كبير ولأني أدركت الفروق ما بين المدن حتى ما بين مكة والمدينة وجدة لكن النقلة الكبيرة كانت في القاهرة. سبحان الله في القاهرة أحسست أنني لا أرى بشكل جيد.. ذهبت إلى ميدان الأوبرا فبدت لي المساحات كبيرة ونهاية الميدان غير واضحة بعدها ذهبت إلى طبيب العيون وكشفت على نظري، ومنذ ذلك التاريخ بدأت لبس النظارة، نظري كان معتادا على المسافات القصيرة ولم يعتد على المساحات الواسعة.
• وكيف تصف أجواء الدراسة الجامعية في جامعة القاهرة في ذلك الوقت؟
•• كانت مختلفة كثيرا.. لأول مرة أدخل فصلا دراسيا فأجد فيه ثلاثمائة شخص، مدرج كبير والطلاب يتزاحمون وليس لأحد كرسي خاص به كما هو في المدرسة الثانوية حيث إن للطالب كرسيا منذ بداية العام الدراسي حتى نهايته.. والدكاترة يأتون ويلقون محاضراتهم من بعيد وعلى كل طالب أن يسجل ويتابع وليس على الاستاذ أن يعيد ويكرر.
• من تذكر في تلك المرحلة من الزملاء والاساتذة؟
•• أذكر أستاذا اسمه نجيب باخوم يدرس الرياضيات، كان مبهرا في أدائه حافظا لمحاضراته، وقد اكتشفت مسألة الحفظ والتكرار بعد أن أعدت عاما دراسيا نتيجة لظروف صحية اضطرتني لإجراء عملية جراحية في الكلى.. وعندما حضرت محاضراته في العام الثاني اكتشفت أنه يعيد الكلام نفسه بألفاظه وطريقته وحتى النكتة تكون من نفس الموقع.. فاكتشفت أن الرجل «مبرمج» ؟، وكان هناك أستاذ آخر مميز اسمه ميشيل باخوم كان يدرسنا الهندسة الإنشائية كان عبقريا حقا.
والزملاء كانوا كثيرين وكان من بينهم زميلي الدكتور محمود سفر وزير الحج الأسبق.. فقد درسنا في الجامعة نفسها وكنا نتدارس معا.
• الدراسات العليا كانت في الولايات المتحدة الأمريكية.. وقلت إنك أدركت مدى نظرك في القاهرة، فماذا أدركت في الولايات المتحدة وأنت الدارس في مصر؟
•• في أمريكا اكتشفت الفروق الشاسعة بين واقع العلم هناك وما نحن عليه.. أدركت أنني طالب جامعي عليه أن يعتمد على نفسه.. عانيت في المرحلة الأولى حيث تقرر أن أدرس «كورسات» خاصة تفرضها الجامعة لتهيئة الطلاب للدراسات العليا، وهي ساعات ليست في تخصص الهندسة الذي جئت لدراسته.. يبدو أنها سنة تحضيرية.. كنت مطالبا بدراسة اثنتي عشرة ساعة وكلها باللغة الإنجليزية، وكانت لغتي في ذلك الوقت ضعيفة حقا.. ولذلك عانيت في الدراسة ولم أستطع إكمال كل تلك الساعات. سجلت دراسة الماجستير في جامعة ولاية كانساس، لكن الظروف الجوية لم تناسبني وزوجتي فذهبت إلى جامعة أريزونا ومنها حصلت على شهادتي الماجستير والدكتوراه.
• د. ناصر، أنت من الوزراء القلائل الذين تدرجوا في الوظيفة الحكومية في المجال نفسه من مهندس حتى وزير، فماذا استفدت من هذا التدرج؟
•• أولا أنا بدأت الحياة العملية على وظيفة مساعد مهندس رغم أنني أحمل شهادة البكالوريوس وتدرجت في السلم حتى صرت وزيرا للمواصلات.. والحقيقة إن هذه التجربة جعلتني أشعر بحال الموظف الصغير وما يشغله وما يحتاجه كما أكدت لي أن الناس كلهم سواسية وكلهم يؤدون واجبهم حسب الموقع الذي يشغلونه.. وترسخ في عقلي وسلوكي طوال حياتي العملية، أنني لم أشعر أنني إنسان مهم والآخرون ليسوا كذلك فكل واحد منهم يقوم بواجبه ومسؤولياته ولا علاقة لمرتبته بإنسانية.. وقد يكون التدرج الوظيفي ساعد على تثبيت هذه القناعات. ومن فوائد هذا التدرج أنه أعطاني فرصة لأن أتعلم وأعلم كما ساعدني على معرفة أشياء كثيرة في مجال عملي، وقد يستغرب البعض أنني قمت بزيارة غالبية قرى المملكة وليس مدنها فقط لأنني كنت حريصا على معرفة طبيعة وتفاصيل عملي.
• أنت عملت مع وزيرين من الرعيل الأول على المستوى الأخلاقي والمهني هما الشيخان محمد عمر توفيق وحسين منصوري، ماذا تقول عن هذه التجربة؟
•• أنا محظوظ بعملي مع اثنين من المميزين أصحاب التجارب العميقة والسمات المميزة في كل شيء.. فالأستاذ محمد عمر توفيق كان قمة في الأدب والأخلاق الفاضلة، عرف بأسلوبه الأدبي البليغ حتى أصبح يعرف بالأستاذ فإذا قيل «الاستاذ» فهو المقصود، كانت شروحاته على المعاملات قطعا أدبية لجمالها وقدرتها على تلخيص الأفكار الكبيرة في الكلمات القليلة، كان حريصا على الحق ونزيها في البحث عن الإنصاف وعدم أذية أو ظلم أحد. إذا جاءته شكوى ضد مقاول أو استشاري يتعامل مع الوزارة لا يصدر قراره إلا بعد التثبت وقراءة المعاملة قراءة متأنية، وإذا احتاج إلى رأي محايد لا يتردد في البحث عنه.. وكان يلجأ إلى الشيخ صالح الحصين المستشار في وزارة المالية المعروف بالصدق والدقة والنزاهة.. فإذا خالف رأيه رأي الوزارة انحاز إلى رأي الشيخ الحصين، كان بالغ الحرص على عدم الظلم أو الضرر، وكان صاحب فراسة في معرفة الناس من خلال العمل، وأنا شخصيا تعرفت عليه من خلال العمل نتيجة لمتابعته وقراءاته الدقيقة للمعاملات، وكان يعاملني كابنه عليه رحمة الله.
أما الشيخ حسين منصوري فقد كان مدرسة كبيرة في الإدارة،. كان مثابرا وتنفيذيا ممتازا، حضرت معه مناقشات واجتماعات مع شركات هندسية كبرى أمريكية وأوروبية، وكان يتناقش رؤساءها بالمنطق في قضايا هندسية وهو ليس مهندسا.. رحم الله الجميع فقد كانا يعاملوننا ابنا لهما وقد استفدت منهما الكثير. وأستطيع أن ألخص أبرز الفروق بين الرجلين في أن الشيخ محمد عمر توفيق كان عبقريا موجها والشيخ منصوري تنفيذيا ممتازا.
الحياة الأسرية
• الدكتور ناصر من الكثيرين الذين استغرقت الحياة الوظيفية الجزء الأكبر من أوقاتهم.. فماذا عن الحياة الأسرية.. وبصورة أوضح أين المرأة في حياة ناصر السلوم؟
•• المرأة عندي «مقدسة» ولها مكانة لا يتمتع بها أي مخلوق، فهي الأم وهي البنت وهي الحبيبة والأخت.. هذه المكانة لا يحظى بها غيرها في حياتي ولهذا لا يعوض مكانها ودورها أحد.
• في السنوات الأخيرة كانت «المرأة» دائما في قلب الجدل الاجتماعي المصاحب للتحولات الجارية وحركة التحديث فما هو موقف الدكتور ناصر من هذا التجاذب وهل يرى دخول المرأة في كل الحقول؟
•• المرأة ليست «أراجوز» أدخلها أو أخرجها، ولا أحد يستطيع أن يمنع المرأة من المشاركة في الحياة وأداء ما تحسن من عمل أو المنافسة في كل المجالات.. وقد أثبتت الجدارة في الكثير من الحقول فهي طبيبة ناجحة، وباحثة مميزة، ومهندسة مبدعة ومستشارة مخلصة بصيرة بأحوال وقضايا مجتمعها.
• ماذا عن تربية الأولاد، وكيف ينظر الدكتور ناصر لقضية التربية ومن المسؤول عنها في البيت؟
•• أعتقد أن الأم هي المربية الحقيقية، والأساسية، وأنا أنظر إلى دور الأم نظرة تكاد تضعها في مرتبة التقديس، وبالتالي فإن دورها التربوي مهم.. وأنا أشعر أنني لم أقم بواجبي التربوي حيال أولادي خاصة الكبار منهم حين كنت مستغرقا في العمل.. لكن بصفة عامة يغلب على تربيتي الجانب العاطفي، ولا أدري هل السبب هو أن انشغالي بالعمل ساهم في هذا كنوع من التعويض اللا إرادي. وأذكر أنني كنت مع ابني محمد رحمه الله في السيارة وكنا نتحدث في أشياء متعددة وإذا به يقول لي: ليتك يا أبي تعطينا جزءا من وقتك للحديث معنا.
( المحرر: لاحظت أن استحضار تلك اللحظة أثار مشاعره فانحدرت دموعه وتلاشى صوته.. فقلت له: إن الحزن عاطفة إنسانية لم يخل منها حتى الأنبياء.. فسيدنا محمد بن عبدالله، صلوات ربي وسلامه عليه، حين مات ابنه إبراهيم بكى وقال: «إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون».
• دكتور ناصر البعض يعتبر التقاعد نهاية الحياة والبعض ينظر له على أنه حياة جديدة.. كيف تنظرون لمرحلة التقاعد؟
•• التقاعد تعلمت منه وفيه أشياء كثيرة لم يكن لدي الوقت لتعلمها، ومنها استغلال الفرصة للالتفات إلى حياتي الخاصة فأصبحت أهتم بعائلتي وأولادي وأقاربي وأصدقائي ومعارفي والتواصل معهم... تحررت من قيد الوظيفة فتحررت حياتي وأصبحت أكثر قدرة على استثمار وقتي بما يتفق مع رغبتي، اكتشفت أنني أستطيع أن أفعل أشياء كثيرة لأهلي ومجتمعي دون قيد الوظيفة.
الرجل الحنون
المهندس محمد صالح الزامل زوج ابنة الدكتور ناصر حضر اللقاء وقال: إن الدكتور ناصر يمكن أن يوصف بأنه «الرجل الحنون» وهو الآن يعوض أبناءه الصغار عن ما افتقده الكبار يوم كان مخلصا لعمله يسعى لأداء الأمانة بصدق وإخلاص.
وقال إن الدكتور ناصر بعد التقاعد زاد اتصاله بالناس وانشغاله بهمومهم والسعي في قضاء حوائجهم، وهو يجد متعة كبيرة في هذا تستغرق جل وقته إلى جانب اهتمامه بأسرته وأصدقائه.
وقال إن التقاعد منحه الوقت للاهتمام بأشياء صغيرة كان يقضيها له غيره يوم كان مسؤولا كبيرا، في التقاعد تعلم الكمبيوتر وأصبح ينجز كل أعماله واحتياجاته الخاصة بنفسه دون أن يحتاج إلى أحد، مثل حجوزات الطيران والفنادق والسيارات وتسديد الفواتير والعلاقات مع البنوك.
الحفيد بدر محمد الزامل
حضر اللقاء المهندس بدر محمد الزامل الحاصل حديثا على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية وهو حفيد الدكتور ناصر السلوم..
قال إنه لم يعرف جده إلا في السنوات الأخيرة فقد كان الجد مشغولا بمسؤولياته ولم يكن لديه الوقت الكثير للقاءات الأسرة بشكل موسع.. وقال إنه لم يشعر يوما أن جده وزير ولم تتأثر حياته بهذا اللقب لأن الجد رجل متواضع مع الجميع ولا يتظاهر بوظيفته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.