بعث الشاعر الراحل خليل حاوي العديد من الرسائل أثناء دراسته لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة كيمبردج البريطانية الشهيرة، حيث تبدو واضحة للعيان السمات الشخصية للشاعر وأفكاره في مجموعة الرسائل، كما يتجلى كذلك الإيمان ببلاده والمراوحة بين اليأس والأمل مع ترجيح الأخير على الأول. الرسائل التي كتبها خليل حاوي لتلميذته نازلي حمادة نشرتها «دار نلسن» في كتاب ضم 87 صفحة من القطع المتوسط، كما احتوى الكتاب على صور ضوئية للرسائل. ويتحدث الكتاب عن أن معرفة الشاعر خليل حاوي بتلميذته نازلي حمادة تعود إلى سنة 1956م وجمعتهما معاً الجامعة الأمريكية في بيروت. وفي هذا الصدد تقول نازلي حمادة «درسني خليل حاوي مع مجموعة من الشابات والشبان.. عرفته كأستاذ ثم أصبح صديقا عزيزا ونبيلا.. في ذلك الوقت كنت أحاول أن أكتب شعرا بسيطا فشجعني على ذلك وأرشدني إلى الافضل... واستمرت صداقتي معه حتى سنة 1970م وبعدها شغلتني ظروف خاصة ومشاكل الحياة ثم فواجع الحرب في لبنان فانقطعت اللقاءات». وتضيف «بعد السنة الدراسية 1956م سافر إلى كيمبردج لإعداد الدكتوراه وكنت أكتب له رسائل لأطلعه على ما يجري في لبنان.. استمرت لقاءاتي معه بعد أن عاد من كيمبردج، وكنا نلتقي في بعض المقاهي ومع الأهل والأصدقاء». وعن شخصية حاوي تقول: عرفته إنسانا رائعا بكل معنى الكلمة، مزاجي بامتياز واثق بنفسه ناقد لاذع ينفعل للخطأ ويدافع عن الحق. إنه قمة الشعور وذروة الإحساس والعطاء شعره عميق ويحتاج إلى قارئ مثقف ومطلع ليفهمه ويقدره. وفي العودة إلى الرسائل يشدد حاوي في الرسالة الأولى على التزام الحق والصواب على رغم كل ما يجري. وكانت الأحوال في لبنان متوترة ومضطربة في الفترة التي سبقت الاقتتال الداخلي سنة 1958م التي شهدت انقساما وحربا داخلية في البلاد. ويقول في إحدى رسائله: فأنت تعلمين وأنا أعلم أن هناك أفكارا رحبة جبارة تندفع اليوم لتحقيق ذاتها ولن يقف في وجهها تعصب ضيق أو عنعنات إقليمية. وهناك تلك الضحايا البريئة التي تذهب كل يوم في شوارع بيروت والتي يقضي عليها عامل الصدفة السيئة والطالع المنكود يقتل الأبرياء في الغالب ويسلم الذين يجب أن يكونوا أول من يكون في عداد القتلى ليسلم المسالمون ويسلم لبنان وتسلم الأفكار الجبارة منتصرة تطل ونطل بها على العالم أقوياء أعزاء جديرين بالحياة وبمكان كريم بين الأمم الحرة الكريمة. وتحدث عن ألمه بسبب لا مبالاة الأجانب بآلام لبنان وعن الحياة بين قوم لا تهمهم مأساتنا ولا يهمهم أن يتحدثوا عنها، حيث يقول «ومن هنا كانت المأساة في نفسي مضاعفة معاناة المأساة والصمت عليها». وفي الرسالة الرابعة المؤرخة في 25 فبراير شباط 1958م يتحدث عن سعيه الدائم إلى التجدد. قال «اكفروا بي وبشعري ساعة تجدون أنني تخلفت وأن صلتكم بي قد أصبحت قيدا لكم. وغايتي أن أتجدد دائما.... بالطبع لا أعني بذلك التصابي فأنا أعترف أني ودعت الصبى أو بالأحرى هو الذي ودعني وإنما تلك البراءة الحلوة التي يمكن أن يحتفظ بها الإنسان جنة صغيرة في داخله رغم التهدم والهرم في الخارج...» وقال في الرسالة الخامسة بتاريخ 6 نوفمبر تشرين الثاني 1958م «ولهذا يطغى عليّ حنين مرعب إلى العودة. حنين إلى بيت كل ما فيه يخصني وعلى ذوقي وإلى جيران وأصدقاء وصديقات بالمعنى الصحيح. غير أني لست أدري إلى أي حد سوف تكون الخيبة نصيبي ولا بأس فإن لي من الشجاعة والاختبار ما يجعلني قادرا على البناء من جديد».