ماذا حصل في القصير، تلك البلدة السورية الواقعة على الحدود مع لبنان، هل حقا حقق حزب الله والنظام الأسدي انتصارا فيها؟ ولماذا انسحب الثوار والجيش الحر؟ كيف وقع حزب الله في كمين القصير؟ أسئلة متزاحمة حملتها «عكاظ» بحثا عن إجابات لها، ومن هو الذي يملك تلك الإجابات أكثر من المجموعة المقاتلة الأخيرة التي خرجت من القصير وحطت رحالها في مستشفى المنية (شمال لبنان). إلى ذلك المستشفى القابع في قرية تبعد عن مدينة طرابلس عشرات الكيلومترات، توجهنا، وعلى باب المستشفى كان شباب ملتحون مسؤولون عن الأمن يستقبلوننا. ومن واحد إلى آخر وصلنا إلى مدير المستشفى الدكتور عامر علم الدين الذي كان مرحبا ومتعاونا وناصحا عبر سلسلة من الشواهد الدينية والسياسية التي تؤكد ميوله وأهواءه السياسية المناصرة للثورة السورية وحراكها. إلى غرف المرضى توجهنا بعدما تجاوزنا بابا حديديا مقفلا يشبه باب السجن ونظرات الاستغراب على وجوهنا دفعت بالدكتور علم الدين لشرح ما لم نسأل عنه فقال: «نحن حريصون على سلامة الجرحى ونقوم بكل هذه الإجراءات كي نتجنب أي حادث خطف أو قتل لأحدهم، فهم بالنهاية مطلوبون لجهات عديدة في لبنان». في الغرفة الأولى يشير إلينا الدكتور إلى شاب لم يتجاوز الثانية والعشرين من العمر قائلا: «إنه أحد أبطال القصير ومن كوادرها الكبار»، حماسة هذا الشاب تظهر من إصراره على ذكر اسمه والتقاط الصور له، فيقول: «أنا اسمي طاهر جمعة وصوروني فأنا لا أهاب إلا الله». طاهر يروي لنا حكاية المعركة الأولى التي سقط فيها العديد من قتلى حزب الله فيقول: «كنا نتحسب لعملية اقتحام يقوم بها حزب الله على القصير فعمدنا إلى تقسيم أنفسنا إلى مجموعات عدة، مجموعات تسللت إلى خارج القرية ومجموعات تمترست في المنازل المحيطة بساحة البلدة والشارع الرئيسي فيها، وبعد قصف كثيف للمدفعية وغارات عديدة للطيران عمد الحزب إلى إحراق البساتين المحيطة بمدخل البلدة ثم حاولوا الهجوم إلى الوسط مباشرة ومن تحركهم بدا لنا انهم مستخفون بقدرتنا على المقاومة، وما إن وصلوا إلى الساحة حتى أطبقنا عليهم من كل الجهات فيما عمدت المجموعات الموجودة خارج البلدة إلى إقفال مدخل البلدة وقطع الإمداد عن المجموعات المتسللة إلى الداخل، وفي هذه المعركة سقط العديد من قتلى الحزب»، وهنا يتدخل أبو محمد وهو رجل أربعيني يحترمه كافة الجرحى ويهمس الدكتور علم الدين بأذننا فيقول إنه قائد المجموعة. ابو محمد يتدخل فيقول: «في هذه المعركة اعتمدنا على رب العالمين وعلى أننا موجودون في أرضنا ومنازلنا ونحن أعلم بها وبخباياها، في هذه المواجهة يمكنني أن أؤكد لكم أن ما يزيد على مئتي شخص قد قتل من النظام وحزب الله، وقد قمنا في مطار الضبعة بسحب 35 جثة لعناصر من الحزب». نعود إلى طاهر فيضيف: «بعد هذه المحاولة الفاشلة لم يتجرأ حزب الله على الاشتباك معنا مباشرة فقط ولمدة أسبوعين قصف عنيف بالمدفعية والطائرات وعملية هدم مبرمجة للبلدة بيتا بيتا، وهنا أدركنا أنهم يريدون سحق القصير وخنقها بالقصف والحصار وارتكب الحزب مجازر جماعية وأحرق الحرث والنسل». يعود أبو محمد للمقاطعة فيقول لنا: «في هذه الأيام كانت صواريخ أرض أرض تنهمر علينا بشكل لا يصدق، وهذه الصواريخ هي إيرانية الصنع، فالصاروخ الواحد يهدم بمساحة مئة متر حتى أننا وصلنا إلى مرحلة لم يعد هناك منزل يمكننا استعماله للمناورة والقتال، ولم يعد معنا ما نأكله أو نشربه، فصدر القرار في ليل السادس من يونيو بالانسحاب من القصير، وهنا بدأت ساعة الصفر للانسحاب». فايق. م روى ل «عكاظ» قصة الانسحاب وحكاية الهرب من بستان إلى آخر فيقول: «عندما صدر قرار الانسحاب كنا المجموعة الأخيرة في القصير وعددنا مئة وخمسون شخصا من بيننا خمس وأربعون جريحا والبقية مقاتلون، فخرجنا بداية إلى مدينة الأحلام فقرية الديبة وتعرضنا لعدد من كمائن النظام فسقط منا سبعة شهداء إلى أن حوصرنا في بساتين بلدة الحسينية، كنا كل يوم نقطع 15 كلم إلا أن الحصار في بساتين الحسينية كان الأقصى حيث لم يكن معنا لا ماء ولا طعام، فعمدنا إلى استخراط البطاطا من الأرض وأكلناها نيئة وشربنا من سواقي السقايا الخاصة بالمزروعات وبعد هذا الحصار وفشلهم بأسرنا بدأوا بالتفاوض معنا عبر الدكتور علي زعيتر من جانبهم والدكتور قاسم زين رئيس المستشفى الميداني في القصير الذي خرج مع دفعة سبقتنا من القصير. هذه المفاوضات لم تطل حيث تم الاتفاق على التفاصيل فبدأت رحلة الخروج إلى لبنان». وعن رحلة الخروج يحدثنا أبو محمد فيقول: «في الحسينية اتفقنا على أن يتسلمنا وفد من الحزب فتم نقلنا إلى الربلة ثم الحدود اللبنانية السورية في عرسال والهرمل وهناك تسلمنا الصليب الأحمر اللبناني ثم نقلنا إلى هنا في مستشفى المنية». ويضيف: «الصفقة كانت قائمة على تسليم ثلاثة أسرى من حزب الله كانوا رفاقنا قد نجحوا بإخراجهم من القصير قبل انسحابنا إضافة إلى سبع جثث سبق لنا أن دفناها في مكان لا يمكنهم الوصول إليه. فهم تعهدوا بإيصالنا إلى منطقة آمنة في لبنان مقابل أن يتسم تسليمهم الأسرى والجثث وهذا ما حصل». ويختم أبو محمد: «هم لم ينتصروا علينا في القصير نحن انتهت ذخيرتنا ومؤنتنا فقررنا الانسحاب، أخرجنا من القصير 15 ألف شخص وهذا يشكل انتصارا كبيرا، نحن كنا حريصين على إنقاذ الجرحى وقد تحقق لنا ذلك، أما هم فحاولوا اقتحام القصير في البداية فهزموا شر هزيمة، وعندما انسحبنا دخلوا إلى مدينة خالية ليس فيها شعب ولا ومقاتلين دخلوا إلى الحجارة هدمتهما صواريخهم وطائراتهم، دخلوا يبحثون عن جثثهم التي قضت في القصير». نغادر «مستشفى المنية» فيتراءى لنا الكاتب الراحل اللبناني الفلسطيني الأصيل السوري الهوى سمير قصير وهو يكتب فيقول: «عسكر على مين» لنكمل نحن الإجابة فنقول: «انتصار على مين».