كان الأمر السامي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بالموافقة على القيام بمهمة إعداد موسوعة توثيقية شاملة عن المملكة ومناطقها الثلاث عشرة بعنوان (موسوعة المملكة العربية السعودية)، إيذانا بانطلاق أحد أكبر الأعمال الموسوعية في التاريخ السعودي الحديث. وقد كان أبرز الأهداف تحديدا ووضوحا لهذه الموسوعة، هو سد ثغرة كبيرة في المكتبة العربية بعامة، والسعودية بخاصة؛ تتمثل في قلة المراجع الموسوعية التي تقدم المعلومة الشاملة والدقيقة عن المملكة من الجوانب المختلفة: التاريخية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... وغيرها، وتعرف بالنهضة التي تشمل كل أنحاء الوطن، وتوثق التطورات والمنجزات المتلاحقة التي تعيشها المملكة، لتواكب السياق المعرفي العالمي، من حيث توفير المعلومة الدقيقة لطالبيها. لقد أريد لهذا العمل أن يكون هو الأشمل على مستوى المملكة، ليصبح زادا لمن يبتغي المعلومة العلمية عنها من العالم أجمع، وحافزا لمن يريد النسج على منواله أو تطويره، ومرجعا للباحثين والكتاب والمؤلفين، والدوائر الحكومية والوزارات، والسفارات، والقنصليات، والمؤسسات الإعلامية، والإعلاميين والصحفيين، والجمعيات العلمية والاجتماعية المتنوعة، والجامعات والمعاهد بمختلف أقسامها وتخصصاتها، والمستثمرين، والهيئات السياحية، والمؤسسات الثقافية، ومراكز الدراسات والبحث العلمي، وطلاب التعليم العام، والمكتبات العامة والخاصة. لقد صدرت موسوعة المملكة العربية السعودية في عشرين مجلدا توثق للمملكة ومناطقها الثلاث عشرة، وترصد كل التفصيلات اللازمة عن كل منطقة من هذه المناطق، وذلك من خلال تسعة أبواب تتناول: الخصائص الجغرافية، والتطور التاريخي، والآثار والمواقع التاريخية، والأنماط الاجتماعية والعادات والتقاليد، والحركة الثقافية، والخدمات والمرافق التنموية، والاقتصاد والثروات الطبيعية، والحياة الفطرية، والسياحة والتنزه. كما استلزم العمل الموسوعي أن تتم دراسة المملكة بوصفها كلا متكاملا، يستوعب اتساع مساحتها وترامي أطرافها، ويتسق مع ثقلها الديني والتاريخي والحضاري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، فضلا عن تسليط الضوء على مكانة المملكة وأهميتها، وتأسيس الدولة وكيانها السياسي، ونظام الحكم، والوزارات والمؤسسات الحكومية، ثم إكمال ذلك كله بإنجاز كشاف عام يسهل عملية البحث في الموسوعة ويكون عونا للباحث فيها. وقد تضمنت الموسوعة بوصفها موسوعة شاملة عن المملكة بكل مناطقها مجموعة وافية من الخرائط، تبلغ حوالي 160 خريطة، وتغطي جميع تفصيلات المواد الواردة في الأبواب، وتشمل خرائط على مستوى المملكة، وخرائط توضيحية وطبوغرافية للمناطق، وخرائط موضوعية للأبواب. وقد تم الاعتماد على هيئة المساحة الجيولوجية في تقديم الخرائط الرئيسة للموسوعة، كما تم الاعتماد على الهيئة العامة للمساحة العسكرية في تقديم الخرائط التوضيحية والطبوغرافية عن المناطق. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قدم الباحثون الخرائط الداعمة لمتون أبحاثهم لتكون أسهل في الفهم وأقرب إلى الوضوح. كما تضنمت الموسوعة أكثر من (10) آلاف صورة، تنوعت ما بين الصور التاريخية النادرة والصور الحديثة المنتجة لصالح الموسوعة على يد نخبة من المصورين المحترفين وبأرقى تقنيات التصوير الفوتوغرافي الحديثة. وقد راوح عدد الصور بين (500) صورة لبعض المناطق، و(1000) صورة لمناطق أخرى، وذلك حسب حجم المادة العلمية المتعلقة بكل منطقة. وقد روعي في تلك الصور أن تناسب الموضوع بشكل دقيق، وتغطي معظم الجوانب الواردة في الموسوعة؛ فبعض الصور تطرق إلى جوانب الحياة الاجتماعية السعودية في جميع المناطق مثل اللباس، والمأكل، والبيوت.. إلخ، وبعضها الآخر غطى مجموعات أخرى من صور الحياة الطبيعية والفطرية والمحميات في المملكة.. وهكذا. وقد كان إصدار الموسوعة في شكلها الورقي، ثم إتباع ذلك بإصدار إلكتروني على أقراص مدمجة (CD's)، يعد ضرورة لمواكبة الانتشار الواسع لهذا النوع من أوعية المعلومات، ولسهولة البحث فيها والتعامل معها، بالإضافة إلى إطلاق موقع إلكتروني (www.saudiency.net) خاص بالموسوعة لتكون متاحة للجميع، دشنه قبل عدة أيام صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب وزير الخارجية، بعد أن دشن قبل سنة الشكل الورقي للموسوعة، لتسهيل الحصول على المعلومة لكل من يبحث عنها. وتمتد رؤية القائمين على أمر الموسوعة، إلى أن تكون مرجعا معلوماتيا له طابع العالمية، وذلك لكي تعم الفائدة منها؛ لذا فإنهم الآن بصدد الاستعانة بفريق من المترجمين أصحاب الخبرة والكفاءة في هذا المجال؛ لترجمة مجلدات الموسوعة إلى اللغات الأخرى؛ بحيث تحتل مكانا في مصاف الموسوعات الكبرى عالميا؛ مما يحقق لها الانتشار العلمي الأوسع، ويتيح للقارئ غير العربي الاطلاع على هذا السفر العلمي الموسوعي. وبقدر ما كان هذا العمل شرفا وطنيا غاليا لفريق العمل المكلف بإعداد الموسوعة، فإنه كان في نفس الوقت مسؤولية كبيرة يضطلعون بها، تتمثل في تسجيل حركة التطور في جميع المجالات، في إطار نهضة رائدة تستمدّ مقوماتها من تاريخ هذا الوطن المجيد وحضارته العريقة. ومن هنا كان الحرص على أن يخرج هذا العمل مميزا لكي يليق بقدر المملكة ومكانتها الدينية والتاريخية والحضارية، وأن يكون ثمرة للنهضة العلمية والبحثية الكبرى التي يرعاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله إدراكا منه بقيمة المعرفة، وحرصا مستمرا منه على ربط الحداثة بالأصالة، إيمانا بأن المستقبل ما هو إلا وليد الماضي والحاضر، بكل ما فيهما من معطيات ورموز وإنجازات. وقد قام بإعداد هذه الموسوعة نخبة من العلماء والأكاديميين والباحثين وأصحاب الخبرة، الذين يحملون أفضل المؤهلات العلمية، ويتمتعون بالخبرة العملية، والدراية في مجالات البحث العلمي المتنوعة، وكان على رأسهم فريق الهيئة الاستشارية والإشراف العام، والذي يرأسه معالي الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، ويضم كلا من الدكتور عبدالكريم الزيد، والأستاذ الدكتور فهد بن سلطان السلطان. وقد قاموا جميعا بهذا الإنجاز عبر رحلة من العمل الدؤوب، فرضه إحساسهم بعظم أمر المسؤولية الثقافية الملقاة على عاتقهم، والتي تتمثل في إعداد موسوعة محلية المحتوى، عالمية المستوى، تساهم في تطوير الحركة الثقافية والعلمية، والارتقاء بمستوى الثقافة العامة، وتوفر مادة علمية معرفية تفصيلية شاملة موثقة عن كل منطقة من مناطق المملكة من جهة، وعن المملكة بصفة عامة من جهة أخرى. ونحسب أنهم كانوا جميعا مثال الإخلاص والجد في أداء هذه المهمة الوطنية الكبرى التي أتيح لهم شرف النهوض بها، خدمة لهذا الوطن الذي نعتز به، ونبغي له مزيدا من العزة، فعزة وطننا هي وحدها الجزاء الذي يرجوه كل العاملين المخلصين في حياتهم الدنيا، لا جزاء غيرها ولا جزاء يعلوها. كما كان لكاتب هذه السطور شرف أن يكون عضوا في لجنة الإشراف على هذا العمل العظيم، الذي يعد مفخرة لكل من شارك فيه. * أستاذ المعلومات جامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى