يعتبر ماء زمزم ماء مباركا وتشهد مواقع توزيعه إقبالا كبيرا من قبل الزوار والحجاج، إذ لا نكاد نرى حاجا أو زائرا وقت مغادرته مكة إلا وهو محمل بجوالين هذه المياه المباركة التي يعود تاريخها إلى عهد إبراهيم عليه السلام. ويتميز بئر زمزم الذي يقع في الحرم المكي على بعد 02 مترا عن الكعبة، وهو من الأماكن المقدسة للمسلمين لما يحمله من معان دينية، بأنه لم ينضب أبدا منذ أن ظهر للوجود، وعلى عكس ذلك فهو يمدنا بالمزيد من الماء ومهما أخذ منه فهو يزيد، وهو لا يزال يحتفظ بنسب مكوناته نفسها من الأملاح والمعادن منذ أن ظهر إلى الوجود حتى يومنا هذا، وكذلك صلاحيته للشرب عالمية لجميع الحجاج من جميع أنحاء العالم، فلم يحدث يوما أن اشتكى منه حاج أو زائر، فهم دائما ما يستمتعون بالمياه التي تنعشهم على الدوام، ولكن يلاحظ أن مذاق المياه يتغير عندما تنتقل إلى مكان آخر. ويلاحظ أنه في حالة الآبار العادية يزداد النمو البيولوجي والنباتي في داخل البئر ما يجعل المياه غير صالحة للشرب نظرا لنمو الطحالب، ما يسبب مشكلات في الطعم والرائحة، ولكن في بئر زمزم لم يكن هناك أي دليل على النمو البيولوجي. وإذا عدنا إلى المعجزة التي بسببها تكون ماء زمزم نتذكر أن هاجر بحثت يائسة عن الماء في جبال الصفا والمروة لكي تسقي وليدها إسماعيل، حيث ضرب الأرض برجليه الرقيقتين على الرمال، فتفجرت بركة من المياه تحت قدميه، وبرحمة الله وقدرته شكلت هذه المياه نفسها كبئر أطلق عليه بئر زمزم. ومن هنا كان الدليل على مصدر وجود المياه تفسيره يعلمه الله ولم يستطع العلماء إيجاد تفسير علمي لمصدر وجوده، حيث سدت جميع المنافذ من المياه من حوله وقد تأكدوا من ذلك.أفادت الدراسات أن العيون المغذية للبئر تضخ ما بين 11 إلى 18.5 لتر من الماء في الثانية، ويبلغ عمق البئر 30 مترا على جزءين، الجزء الأول مبني عمقه 12.80 متر عن فتحة البئر، والثاني جزء منقور في صخر الجبل وطوله 17.20 متر. ويبلغ عمق مستوى الماء عن فتحة البئر حوالي أربعة أمتار، وعمق العيون التي تغذي البئر عن فتحة البئر 13 مترا ومن العيون إلى قعر البئر 17 مترا. وبالعودة إلى قصة البئر كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وهي أنه لما قدم النبي إبراهيم إلى مكة مع زوجته هاجر وابنهما إسماعيل وأنزلهما موضعا قرب الكعبة التي لم تكن قائمة آنذاك، ومن ثم تركهما لوحدهما في ذلك المكان ولم يكن مع هاجر سوى حافظة ماء صغيرة مصنوعة من الجلد سرعان ما نفدت وودعهما إبراهيم وغادر ولم يلتفت إلى هاجر رغم نداءاتها المتكررة، لكنه أخبرها أن ما فعله هو بأمر الله فرضيت وقرت ومضى إبراهيم حتى جاوزهم مسافة وأدرك أنهم لا يبصرونه في حين دعا ربه بقوله: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون). بعدما نفد الماء استهل الطفل بالبكاء ولم تكن أمه تطيق رؤيته يبكي فصدت عنه كي لا تسمع بكاءه، وذهبت تسير طلبا للماء فصعدت جبل الصفا ثم جبل المروة ثم الصفا ثم المروة وفعلت ذلك سبع مرات تماما كما السعي الذي شرع من بعدها، فلما وصلت المروة في المرة الأخيرة سمعت صوتا فقالت (أغث إن كان عندك خير)، فقام صاحب الصوت وهو جبريل بضرب موضع البئر بعقب قدمه فانفجرت المياه من باطن الأرض وظلت هاجر تحيط الرمال وتكومها لتحفظ الماء وكانت تقول وهي تحثو الرمال زم زم.. زم زم، أي تجمع باللغة السريانية ويقول الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في هذا الأمر (رحم الله أم إسماعيل لو تركته لكان عينا يجري) أي أن مياهه كانت ستغدو ظاهرة وليست تحت الأرض كما هو حالها. ولمياه زمزم فوائد عظيمة، حيث ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب ماء زمزم وهو قائم، روى البخاري عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: "سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم وهو قائم" كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن ماء زمزم لما شرب له، وقد نص العلماء على أن الدعاء بعد الفراغ من شربه مما ترجى إجابته، روى أحمد والحاكم والدار قطني عن ابن عباس، وأحمد عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ماء زمزم لما شرب له" وقد روى ابن الجوزي في كتابه الأذكياء أن سفيان بن عيينة سئل عن حديث "ماء زمزم لما شرب له" فقال حديث صحيح. ولم يثبت عن الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم - عند شربه ماء زمزم - دعاء مخصوص فيما نعلم، لكن روى الدارقطني عن ابن عباس أنه كان إذا شرب ماء زمزم قال (اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء) فأولى لمن شرب ماء زمزم أن يشربه بنية صالحة، ثم يدعو الله بعد فراغه. والله أعلم. وذكر المؤرخون أن هناك مصدرين لزمزم، الرئيسي منه هي فتحة تحت الحجر الأسود مباشرة وطولها 45 سم، وارتفاعها 30 سم، ويتدفق منها القدر الأكبر من المياه، والمصدر الثاني فتحة كبيرة باتجاه المكبرية، وبطول 70 سم، ومقسومة من الداخل إلى فتحتين وارتفاعها 30 سم. وهناك فتحات صغيرة بين أحجار البناء في البئر تخرج منها المياه، خمس منها في المسافة التي بين الفتحتين الأساسيتين وقدرها متر واحد. كما توجد 21 فتحة أخرى تبدأ من جوار الفتحة الأساسية الأولى، وباتجاه جبل أبي قبيس من الصفا والأخرى من اتجاه المروة. فلوريدات مضادة للجراثيم زمزم ليس كماء الشرب الذي يضخ في المنازل من ناحية نسبة أملاح الكالسيوم والمغنيسيوم، فلقد كانت نسبتها أعلى في ماء زمزم وهذا هو السبب في أنها تنعش الحجاج المتعبين، والأكثر أهمية من ذلك هو أن ماء زمزم يحتوي على فلوريدات مضادة للجراثيم بشكل عالي الفعالية، والأهم من كل هذا هو أن المعامل في أوروبا أثبتت أن الماء فعلا صالح للشرب.