أكد متخصصان قانونيان أن التأخر بالبت في قضايا بعض السجناء يعود في المرتبة الأولى لنقص عدد القضاة في المملكة بشكل عام رغم الخطوات التي بدأت قبل عامين لتطوير مرفق القضاء ودعم المحاكم بأعداد إضافية، إلا أن العدد الحالي غير كاف، فعلى سبيل المثال فإن محافظة كبرى مثل جدة يقطنها نحو 4 ملايين نسمة فضلا عن الزائرين لها يوجد فيها فقط 50 قاضيا موزعين بين المحكمة العامة والجزائية والأحوال الشخصية، وقالا ل«عكاظ» إن تعديلات جديدة ستضاف إلى أنظمة القضاء تزامنا مع استكمال بقية المحاكم المتخصصة الجديدة، ووصفا تلك التعديلات بأنها جوهرية دخلت على نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية. الدكتور عمر الخولي أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز والمستشار القانوني في هيئة حقوق الإنسان قال: «حق الإنسان في الحرية من الحقوق الأصلية ويتعين أن يتمتع بها في جميع مراحل عمره، ولكن الملاحظ أن هناك كثيرا من الحالات تتم فيها انتهاك هذا الحق في مرحلتي القبض والتحقيق، فنشهد هناك مصادرة لهذه الحريات»، وأضاف «عبر عقود من التجارب والوقائع العملية رصدت جهات وجمعيات مختصة بحقوق الإنسان استخفافا بكثير من الحقوق»، وزاد «ظهرت حالات تم سجنها أو إيقافها لمجرد الشبهة لمدد تتجاوز ما هو مقرر نظاما ثم يتم عرضه على القاضي الذي قد يكون غير قانع بما هو مسند إلى المشتبه به، إلا انه قد يضطر إلى إصدار حكم يقضي بالاكتفاء بما مضى عليه في السجن وذلك لاجتناب إحراج بعض جهات الضبط والتحقيق، وهناك حالات أخرى رصدتها هذه الجمعيات الحقوقية تم فيها اختفاء أو فقد الملفات، فضلا عن النقص في القضاة ومعاونيهم ناهيك عن عدم التأهيل الكافي لمنسوبي المكتب القضائي». وبين الدكتور الخولي أن «هناك حالات أخرى تمثل انتهاكا لحق الإنسان في الحرية تتمثل في تجاوز المدد النظامية المقررة لحالات الوقف أو الحبس الاحتياطي والتي يجب أن لا تتجاوز الستة أشهر في حدها الأعلى وبشروط مقننة، ومع ذلك تعمل بعض جهات التحقيق إما إلى إحالته إلى القضاء قبل انقضاء المدة النظامية بيوم واحد أو يومين حتى تلقي مسؤولية إطلاقه على المحكمة للتنصل من المسؤولية، وبعد ذلك يستمر قيد الحبس الاحتياطي مدة أخرى قد تصل إلى عدة أشهر قبل أن تبدأ محاكمته، وتبدو الصورة اشد قتامة إذا ما انتهت المحاكمة ببراءة مما هو مسند إليه»، وقال «من الحالات المؤلمة أيضا التي تتهي فيها المدة المحكوم بها ومع ذلك يتأخر اطلاق سراحه بضعة أشهر أخرى لا ستكمال إجراءات روتينية»، وأضاف «من أسباب فقدان الحرص على الحريات وعدم منحها ما ينبغي لها من قدسية بالتراخي عن أداء هذه الحقوق»، وطالب الدكتور الخولي بالحرص على تجديد الدماء وإقامة دورات متخصصة فضلا عن المتابعة الإدارية الحثيثة لضمان احترام حقوق السجناء والموقوفين واحترام النصوص القانونية. من جهته، قال المحامي والمستشار القانوني بندر العمودي حول أسباب وجود سجناء بلا محاكمات «اهتمت الشريعة الإسلامية بحرية الفرد دون تقييد، وهو ما أكد عليه النظام الأساسي للحكم أن توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على أراضيها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام»، وأضاف «كما تضمن نظام الإجراءات الجزائية عدة مواد تنظم وتضبط إيقاف وسجن أي متهم أو مطلوب بحق في أضيق النطاق، وحسب ما تقتضيه طبيعة كل جريمة أو مخالفة، حيث نصت المادة (36) بأنه لا يجوز توقيف أي إنسان أو سجنه إلا في السجون أو دور التوقيف المخصصة لذلك نظاما، ولا يجوز لإدارة أي سجن أو دار توقيف قبول أي إنسان إلا بموجب أمر مسبب ومحدد المدة موقع عليه من السلطة المختصة، ويجب ألا يبقيه بعد المدة المحددة في هذا الأمر، كما نصت المادة (114) المواعيد المحددة للتحقيق مع الموقوفين، وتتراوح بين خمسة أيام إلى ستة أشهر، وبعد هذه المدة يطلق سراح الموقوف فورا». وفند العمودي أسباب بقاء السجناء موقوفين بدون محاكمة لمدة طويلة، وقال «هناك عدة أسباب تساهم في بقاء الموقوفين بدون محاكمات من أهمها تسعة أسباب هي: الغياب التام لاستخدام دور المحقق والقاضي لصلاحيتهما في إطلاق سراح الموقوفين على ذمة القضايا خاصة في ظل طول أمد محاكمتهم، كثرة حجم القضايا والنزاعات القضائية وتشعبها أمام الجهات القضائية المختلفة فيحدث تضخم وضغط بزيادة عدد الجلسات ومن ثم عدد القضايا فيحدث ذلك تأخرا في الفصل والبت في القضايا ومن بينها قضايا الموقوفين، وعدم وجود احصاءات دقيقة لعدد القضايا وعدد الموقوفين في السجون، والحكم على السجناء عادة بعقوبة اقل من المدد التي قضوها في السجون على ذمة قضاياهم، وتأخر وصول بعض التقارير الفنية وصحائف الحالة الجنائية والسوابق للمسجونين، وعدم تمكين المحامي من القيام بدوره القانوني على أكمل وجه للدفاع عن المسجونين سواء أمام جهات التنفيذ أو جهات التحقيق لأسباب عديدة منها عدم الترحيب به كشخص مرغوب فيه أمام تلك الجهات، وغياب الرقابة على السجون والمسجونين سواء من قبل الجهات القضائية أو من جمعيات المجتمع المدني، وغياب تام لدور الجمعيات الحقوقية الدولية والمحلية على القضاة والجهات التنفيذية للمراقبة والتوجيه، وغياب التفتيش القضائي على القضاة فيما يخص القضايا ومراجعة الأحكام بصيغة سليمة مما ساهم في التباطؤ الشديد في أمر الموقوفين».