تشكل الحدود السياسية ركنا أساسيا في كيان وقيام الدول، ومن العناصر المؤثرة في بناء قوتها وتحقيق أمنها واستقرارها السياسي ونموها الاقتصادي والاجتماعي، وفي تحديد طبيعة علاقاتها الدولية. وقد ازدادت أهمية الحدود السياسية في وقتنا الراهن، مع تداخل الظواهر والقوى والتكتلات المختلفة المرتبطة بالعولمة، وتجاذبتها عوامل متعارضة ومتداخلة، بين عوامل وقوى تدفع باتجاه تهميش الحدود وتجاوزها، وأخرى تدفع باتجاه تأكيد الحدود وضبطها. وقد أدى ذلك إلى تعقد القضايا السياسية والأمنية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالحدود السياسية، وأفرزت آثارا خطيرة على سيادة الدول واستقرارها وتنميتها، وعلى السلم والأمن الدوليين. وعلى هذا الأساس تزايد الاهتمام بدراسات الحدود السياسية، سواء من الجهات الأكاديمية ومراكز الأبحاث أو من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، وحظيت بأولوية قصوى لتحليل وفهم مختلف جوانب وأبعاد هذه القضايا الحدودية سواء للمملكة بوجه خاص أو الدول الخليج والمنطقة العربية بوجه عام، ومن هذا المنطلق سعت الجمعية السعودية للعلوم السياسية لطرح الموضوع ضمن سلسلة من حلقات النقاش. وأجرت «عكاظ» هذا الحوار مع الدكتور وليد بن نايف السديري نائب رئيس الجمعية السعودية للعلوم السياسية لسبر أغوار هذه القضية والتعرف على أهداف حلقات النقاش ومحاورها وأبعادها. بداية طرحنا سؤال نهدف من ورائه لمعرفة الأهداف الكامنة وراء هذه السلسلة من حلقات النقاش، فأجاب د. السديري: حلقات النقاش تستكشف الأبعاد المتعلقة بالحدود السياسية وقضاياها، وخاصة ما يتصل منها بالمملكة ودول الخليج والمنطقة العربية، ومواكبة المستجدات حولها. وكذلك تهدف إلى الإسهام في وضع أفضل السياسات العامة للتعامل مع قضايا الحدود السياسية واستثمار فرصها، ومعالجة أخطارها، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة. كما تسعى الحلقات إلى إبراز أهمية الحدود من الناحية الأمنية والاستراتيجية ودورها في مكافحة الإرهاب والفساد والاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والعملات والسلاح وغيرها من الجرائم العابرة للحدود. وكذلك التعريف بالجوانب السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالمناطق الحدودية ونزاعات الحدود الدولية. وأيضا التعريف بأحدث التطورات والتجارب الدولية في مجال دراسة وتحليل قضايا الحدود السياسية ومعالجة قضاياها. فضلا عن أمر مهم جدا يتعلق بإتاحة الفرصة وتوفير إطار للتواصل بين المتخصصين والمسؤولين والمهتمين للاطلاع على أحدث المستجدات العلمية وتبادل الأفكار والخبرات حول هذا الموضوع. وعن مكان وفترة انعقاد حلقات النقاش أوراق العمل المقدمة وأبرز الجهات المشاركة، يقول الدكتور السديري: حلقات النقاش ستعقد خلال يومي الثلاثاء والأربعاء (العشرين والحادي والعشرين من شهر جمادى الآخرة الحالي) في (قاعة الدرعية) في مبنى (مركز الجامعة) بمقر جامعة الملك سعود بالرياض، وقد وصل الجمعية عدد كبير من أوراق العمل (فاق التوقعات) من جهات عديدة منها جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود وجامعة نجران وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية وجامعة الحدود الشمالية وجامعة جازان وأوراق من مختصين في سلاح الحدود، واللجنة العلمية حريصة على اختيار أبرز الأعمال التي وصلت للجمعية، وللأسف هي مضطرة لأخذ عدد محدد منها (يصل إلى ثمانية عشر ورقة) بما يتناسب مع الإطار الزمني المحدود للقاء، حيث ستعقد ست جلسات أو حلقات نقاش: جلستين لمناقشة الأبعاد السياسية والاستراتيجية وجلسة للأبعاد الشرعية والقانونية وجلسة للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وجلسة للأبعاد الأمنية والتقنية والجلسة الختامية لاستعراض أبرز النتائج والتوصيات التي خلصت إليها حلقات النقاش. وزملائي أعضاء مجلس الإدارة، الدكتور سرحان بن دبيل العتيبي (رئيس الجمعية) والدكتور عبدالله بن جمعان الغامدي والدكتور صالح بن محمد الخثلان والدكتور مرزوق بن محمد العشير والدكتور شافي عبدالرحمن الدامر والدكتور محمد بن عوض الحارثي ومعهم اللجان المنظمة وفرق العمل، يعملون بشكل دؤوب وتعاون كبير على الرغم مسؤولياتهم المتعددة على التحضير والإعداد الجيد لحلقات النقاش لكي تخرج بالصورة المشرفة وتحقق الأهداف المرجوة منها. والحقيقة أن فكرة اللقاء جاءت كمقترح من الدكتور مرزوق وتبناها وبلورها الدكتور سرحان والزملاء أعضاء مجلس الإدارة، إلى أن تطورت وتوسعت لهذا اللقاء الكبير نتيجة لما لقيه الموضوع من اهتمام من قبل المختصين والجهات الحكومية ذات العلاقة وعلى رأسها قيادة سلاح الحدود التي شجعت اللقاء. وعن محاور حلقات النقاش العلمية، يوضح الدكتور السديري: حلقات النقاش ستركز على خمسة محاور تتناول الأبعاد المتشعبة والمتداخلة لقضايا الحدود السياسية وهي: المحور الأول: (المفاهيم الأساسية لقضايا الحدود السياسية) للتوعية بأهميتها، وأنواعها، ووظائفها، والعوامل السياسية والقانونية المؤثرة في تحديدها، كما يتناول هذا المحور الجانب التاريخي لحدود الدول وأثره في المنازعات الحدودية، والمقصود بالمحور التعريف بقضايا الحدود وأبعادها. أما المحور الثاني فيتناول (الأبعاد السياسية والاستراتيجية) وتحليل مختلف العوامل السياسية والاستراتيجية المرتبطة بقضايا الحدود السياسية، من حيث تأثيرها على قوة الدولة واستقرارها وعلى استراتيجياتها الأمنية والدولية، وحق الدولة في المحافظة على حدودها من الانتهاك، وأسباب النزاعات الحدودية وآثارها والوسائل السياسية لحلها، ودور القيادة السياسية والمنظمات الدولية في معالجة قضايا الحدود، وتأثير الحدود على مجمل العلاقات والاستراتيجيات الدولية. ويتناول المحور الثالث (الأبعاد الشرعية والقانونية) كمسائل تسوية منازعات الحدود الدولية في الشريعة الإسلامية كما يتعرض لمبادئ القانون الدولي العام والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بمنازعات الحدود الدولية وقضاياها، والوسائل السلمية القانونية والقضائية لتسويتها، والنظام القانوني لتجارة الحدود. ويركز المحور الرابع على (الأبعاد الأمنية والتقنية) من خلال التحديات الأمنية المرتبطة بالحدود وكيفية مواجهتها، وسبل تأمين الحدود، كما يتعرض لآثار قضايا الحدود الدولية على التعاون فى مجالات مكافحة الهجرة غير المشروعة، والإرهاب والفساد والاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والعملات والسلاح. وأثر منازعات الحدود على السلم والأمن الإقليمي والدولي. ويناقش المحور الخامس (الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية) ويتناول السياسات الاجتماعية والاقتصادية لمواجهة التحديات المتعلقة بالحدود، وزيادة فرص التعاون والتكامل الاجتماعي والاقتصادي عبر المناطق الحدودية، فيركز على دراسة آثار قضايا الحدود على العلاقات الاجتماعية والأسرية لسكان المناطق الحدودية كعلاقات الزواج والقرابة والتنقل والإقامة وغيرها. وكذلك كما يتناول هذا المحور مسألة تنظيم العلاقات بين المجتمعات المحلية التي تعيش على جانبي الحدود ومراعاة هذه الجوانب الإنسانية والأخلاقية عند معالجة قضايا الحدود وعند عملية تنقل السكان عبر المنافذ الحدودية. بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية كتنظيم تجارة الحدود والتسهيلات والمزايا الممنوحة للمجتمعات الحدودية بما يعمق المصالح المتبادلة ويعالج كثير من مشكلات الحدود، وكذلك استغلال الثروات الطبيعية في المناطق الحدودية، ومكافحة التلوث البيئي عبر الحدود.