يجمع النقاد الرياضيون على أن قلة المال وضعف البنية التحتية هما العاملان المشتركان في مشاكل الفئات السنية، مؤكدين على أن المادة عصب النجاح لأي عمل رياضي إذا ما أدير بفكر احترافي وتخطيط مدروس، معتبرين الإهمال الذي تعانيه وشح المال ساهما في تعطيل تطور مخرجات مدارس الأندية التي يتم التعاطي معها وفق نظرة محدودة وبهدف استقطاب عناصر محددة دون النظر على أنها مأوى لكل المواهب المميزة التي تنشد الضوء والتطوير، وطالبوا بإعادة النظر فيها والعمل على دعمها من أجل تهيئة المناخ العام لقاعدة الفئات السنية على مستوى المنتخبات الوطنية التي تعاني فيها المواهب الإحباط نتيجة غياب الحافز المادي والدعم الواضح. بداية، يقول الكاتب والناقد الرياضي محمد السراح «كثيرا ما سمعنا عن إنشاء أكاديميات تهتم بالنشء وتكتشف المواهب وتقدمها للساحة الرياضية، ولكنها لم تفعل بالشكل المطلوب بسبب الشروط التعجيزية التي وقفت أمام الراغبين من المستثمرين في تنفيذها، كما أننا لا نملك تنظيمات واضحة في المدارس الكروية كما هو معمول بها في الدول الأخرى، فبداية الخطوة للاهتمام بالمواهب تكون عبر المراكز مرورا بالمدارس وأخيرا بالأكاديميات، وكل واحدة لها شروط وضوابط مختلفة عن الأخرى تسهم بتيسير الدخول فيها لأن رجل الأعمال لن يقدم على خطوة غير محسوبة النتائج». وأضاف «بصراحة لن نتطور ونصل للمستوى المنشود دون التركيز على البراعم، فنحن بحاجة للتأسيس وبشكل صحيح بدليل أن مدرسة الهلال أظهرت في فترات سابقة نجوما كان لهم تأثيرهم على فريق الهلال وعلى مسيرة الكرة السعودية». وطالب السراح بأن يكون هناك تعاون قائم على التنسيق بين الأمانة من خلال توفير الأراضي المناسبة ووزارة التربية والتعليم بحثها للمدارس على تفعيل حصص التربية الرياضية بشكل صحيح ثم يأتي دور الرئاسة العامة لرعاية الشباب بجلبها لخبراء يكون عملهم تطوير أداء معلمي التربية الرياضية في كيفية اكتشاف المواهب من المدارس بدلا من الانتظار لفترات من أجل ظهور موهبة، ولعل الخطوة الأخيرة التي قام بها الأمير نواف بن فيصل تكون خطوة هامة في طريق التطوير والاهتمام بالنشء. وذكر السراح أن نادي التعاون كان يولي النشء اهتماما منقطع النظير، ومضى يقول «عملنا على توفير الأجواء المناسبة لهم وإيجاد أماكن لتدريبهم ما أسهم بظهور مواهب جيدة بدليل تواجد كل المراحل السنية في النادي في الدرجة الممتازة ولكن الشح المادي وقف نوعا ما في طريق إكمال الخطوة كما يجب، وهذا ما يتوجب على رجال الأعمال القيام بدورهم المنشود تجاه شباب الوطن من خلال إنشاء الأكاديميات حتى وإن لزم الأمر تحديد رسوم رمزية لمن يلتحق بها، وبعد اكتشاف وبروز المواهب يتم استثمارها على مستوى الأندية». الكنعان: التدخلات والفوضى سبب الفشل وشن ناصر الكنعان مشرف المراحل السنية السابق في فريقي النصر والشباب هجوما على بعض رؤساء الأندية الذين دخلوا لمجال كرة القدم وهم لا يفقهون فيها كما وصف، إذ قال «لا يستطيع كائن من كان التشكيك في أهمية المراحل السنية المختلفة في تطور الكرة السعودية على اعتبار أن توالي الأجيال سمة من سمات الحياة، ولكن تظل المشكلة الحقيقية في الوقوف في وجهة هذا الاهتمام دخول بعض رؤساء الأندية للمجال الرياضي من الأبواب الخلفية وهذا ما تسبب في توجيه اهتماماتهم للفريق الأول من أجل ظهورهم المؤقت، فلم يمنحوا المراحل السنية في النادي الاهتمام الكافي، وزاد على ذلك تدخلهم بجهل في شؤون العاملين فيها في وقت كان يفترض عليهم جلب كفاءات متخصصة سواء على المستويين الإداري أو الفني مع توفير المادة التي بدونها لن ينجح العمل وربما أن هذا العنصر قد تم تجاهله للاعبي هذه المراحل لدرجة أن هناك ناديا عاصميا لم يستلم لاعبوه مكافآتهم لفترات طويلة وتتعذر الإدارة بأن الولاء للنادي يجب أن يكون مقدما على المادة مع أن هذا النادي يدفع للعاملين الذين حضروا للعمل في هذه المراحل دون مؤهلات تذكر سوى أنهم قريبون من رئيس النادي الذي أصبح همه توفير رواتبهم وحقوقهم والتي تتخطى مبلغ 300 ألف ريال وكل عملهم منصب على إحضار أشباه اللاعبين عن طريق المحسوبية، وتم تجاهل حقوق اللاعبين الصغار دون رعاية، فناد مثل الشباب يقع بين فريقي النصر والهلال لن يكون محطة للوجوه الشابة بسبب قلة حضوره على المستوى الجماهيري أو الإعلامي وهذا ما يتطلب إغراء الصغار بالأموال للالتحاق به. وشدد الكنعان على عدم وجود أكاديمية تستحق هذا المسمى سوى أكاديمية النادي الأهلي بدليل تحقيق فريق الأهلي الأولمبي لبطولة كأس الأمير فيصل لموسمين متتاليين كما أسهمت بمد الفريق الأول بنجوم على مستوى عال، أما بقية الأكاديميات فهي مجرد أسماء دون نتائج. واختتم الكنعان حديثه بالإشادة بالعمل الاحترافي الذي قدمه الأمير فيصل بن عبدالرحمن إبان رئاسته لنادي النصر وقدرته على منح العاملين الصلاحيات كاملة، لافتا إلى أنه لو كتب له الاستمرار في النصر لكان هناك كلام وشأن آخر للنصر وعلى كافة المستويات. السويلم: نفتقد للاستراتيجيات لدعم الفئات السنية أكد المحلل والناقد الرياضي محمد السويلم أنه لا بد من وضع رؤية واستراتيجية واضحتي المعالم تحدد الهدف المعني بتحقيقه والفترة اللازمة للوصول له، وهذه من واجبات المختصين والذين يشترط فيهم العمل بإخلاص مع نكران الذات. كما طالب السويلم الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير نواف بن فيصل بتقديم الدعم المادي مع منح الصلاحيات كاملة للعاملين في مجال التطوير من خلال الاهتمام بالمراحل السنية «لأننا مع الأسف نفتقد للتخطيط السليم، فمدارسنا وأكاديمياتنا الكروية خرجت عرجاء ومشابهة للاحتراف المطبق لدينا، العمل في هذا الجانب يأتي بصورة تكاملية بين عدة منظومات مرتبطة بوزارة التربية والتعليم من خلال اهتمامها بالرياضة وبتطوير أداء معلمي التربية الرياضية في مدارسها وكذلك البلديات بما توفره من مساحات تكون قريبة من النشء ويأتي دور الرئاسة العامة لرعاية الشباب في تأسيس هذا الجانب الهام انطلاقا من مسؤولياتها، والذي لن يتحقق دون دعم قوي من الدولة ممثلة في وزارة المالية، كل ذلك من أجل الاهتمام بحاجات الشباب وتحقق طموح المواطن رياضيا فنحن نملك الإمكانات التي تسهل علينا الوصول لمرحلة أفضل ولكن ذلك يحتاج إلى عمل بأمانة وإخلاص ورؤية مستقبلية لمصلحة الرياضة السعودية». كميخ: النواحي المادية تعطل مدارس الأندية بدوره، يرى المشرف الفني على أكاديمية المدرسة الأوروبية لكرة القدم علي كميخ أن الاهتمام بالمراحل السنية قد زاد عن الماضي، فالمشكلة ليست في توفر المواهب فهي موجودة، وأضاف «حقيقة ومن خلال ممارستي للإشراف الفني على المدرسة الأوروبية فإنني أؤكد أن مشكلتنا ليست في وجود المواهب فهي متوفرة وبأعلى المستويات، ولكن المشكلة الحقيقية هي في النواحي المادية التي تقف في طريق زيادة الاهتمام بهم وصقلهم ومن ثم تقديمهم للملاعب السعودية، ومن هنا وجب على الشركات المختلفة أن تقوم بدورها من خلال عملها على عودة المعسكرات الخارجية إلى الدول المتقدمة كرويا وتكفلها بالتكاليف مع دعم المدربين الوطنيين ماديا ومعنويا». وشدد كميخ على أن المشكلات التي تواجههم في المدرسة هي توفير وسائل النقل إذا ما أخذنا بالاعتبار اتساع رقعة مدينة الرياض، وهذا ما يتطلب فتح أكثر من فرع لها لتكون قريبة من اللاعبين صغار السن لتحقق الهدف المنشود، ولكن تظل النواحي المادية هي العائق أمام تنفيذ هذه الخطوة. الجوكم: تعلموا من اليابانيين إذا أردتم التطوير طالب رئيس القسم الرياضي بصحيفة اليوم عيسى الجوكم الاقتداء في هذا الأمر بدول شرق آسيا وقال «إن إهتمامها بهذه الفئة منحها التفوق المنشود، فاليابان سابقا والصين حاليا وعلى سبيل المثال والتي تبعث خبراء ولاعبين إلى البرازيل لعمل دراسات للوصول للتطور انطلاقا من الاهتمام بالمراحل السنية وهذا ما سيجعل الصين تتحول في قادم الأيام إلى بعبع مخيف للكرة الآسيوية وربما امتد للمستوى العالمي، ونحن لازلنا نتباهى بالأكاديميات التي نسمع جعجعتها ولا نرى إنتاجها فهي تشبه التجمعات المدرسية، فالإداريون المتواجدون فيها يملكون الخبرة للتعامل مع هذه المراحل بدليل عدم وجود سجل لكل لاعب، فالحقيقة نحن لا نمتلك أكاديميات ولا مدارس كروية حقيقية إذا ما استثنينا أكاديمية النادي الأهلي والتي تحظى باهتمام خاص ودعم من الأمير خالد بن عبدالله. وطالب الجوكم الشركات والبنوك أن تقوم بواجبها نحو المجتمع، وأضاف «من المؤسف حقا تواجد العديد من الشركات والبنوك التي تكسب المليارات ومع هذا لم تقم بدور يذكر نحو المجتمع في وقت كان يجب عليها تبني الاهتمام بالمواهب الشابة عن طريق ترحيلهم للدول المتقدمة كرويا ليكونوا بعد عودتهم خير معين لتطور الكرة السعودية». الحنفوش: ضعف البنية التحتية سبب للمشكلات ويؤكد مساعد مدرب الناشئين بنادي الاتفاق أحمد الحنفوش أن جميع الأندية السعودية لا يوجد بها الأساس الصحيح للعمل مع الفئات السنية، وقال «قد لا نستطيع حصر الاهتمام بالفئات السنية في عنصر أو عنصرين والذي سيصف وصفة العلاج للتطور المنتظر وعلى كل المستويات، ولكن الحقيقة المرة هي عدم وجود البنى التحتية التي تسهم في إبرازهم على السطح لافتقاد الأندية للأسس الصحيحة للتعامل معها باستثناء ما يقوم به النادي الأهلي في أكاديميته التي نجحت بامتياز في هذا الجانب نظرا لتوفر ما تحتاجه والاهتمام الكبير الذي تجده». وشدد الحنفوش على أن مسابقات البراعم التي أقرت مؤخرا تشهد أخطاء كبيرة من خلال خلط الأعمار بمشاركة فئة مع فئة أخرى وقد كان من المفترض أن يحدد سن لكل فئة، وقال «تشهد المسابقات الخاصة بالبراعم أخطاء كبيرة من خلال مشاركة بعض الفئات السنية الأخرى أو في جدول دوري المناطق وتصنيف الأندية المشاركة، فالملاحظ هو خروج الأندية القوية نتيجة اصطدامها ببعضها ووصول الأندية الأضعف لمراحل متقدمة وهذا يؤثر على سير المسابقات والاهتمام بها سواء على الجانبين الإعلامي والجماهيري أو من جانب الأندية يضاف لكل تلك العوامل ضعف الكوادر الفنية المشرفة على هذه الفئات (ففاقد الشيء لا يعطيه)». وأكد على أنه أعد وبجهود شخصية عملا كبيرا يهتم بهذه الفئات ويرسم خارطة عودة الكرة السعودية انطلاقا من الاهتمام بها وتطوير مسابقاتها بما يضمن اكتشاف المواهب وصقلها على أسس صحيحة. بندر: الاهتمام بالمراحل السنية معدوم ويقول المشرف العام على «المدرسة الأوروبية» لكرة القدم بندر الدهش «مع الأسف الشديد يظل الاهتمام بالمراحل السنية معدوم في غالبية الأندية إذا ما استثنينا النادي الأهلي الذي وجدت المراحل السنية فيه اهتماما بالغا فانعكس ذلك على تواجد أكثر من نجم في صفوفه هم من خريجي مراحله السنية، أما البقية فقد وجهت تركيزها على الفريق الأول»، وزاد «اعتقد أن الأندية لو وجهت جزءا من اهتمامها للمراحل السنية لانتفى أمر قلة المواهب الكروية، فبدفعها لمبلغ لا يتجاوز المليون ريال لهذه الفئات سيتواجد لدينا عدد من المواهب، هذا من جانب، ومن جانب آخر فان افتقاد الأندية للكوادر الإدارية والفنية المتخصصة أثره في عدم اكتشاف المواهب ومن ثم الدفع بها للساحة الرياضية، فنحن من خلال المدرسة نحاول التواصل مع الأندية من أجل أن تضم مواهب مدربة ولكن دون جدوى». وأضاف «لعل أهم عوامل إهمال الاهتمام بهذه الفئات ومن جميع القطاعات يكمن في عدم توفر المرافق والملاعب المناسبة، مع أنها موجودة ولكنها مغلقة، وهذا ما أجبرنا على محاولة عرض فكرة أن تكون المدرسة تحت مظلة ناد ولكن لم ننجح في الوصول لهذا الأمر، فعملنا على إيجاد مستثمرين يدعمون هذا التوجه ويسهمون بالتطوير المنشود ولكنا صدمنا بأنهم لا يرغبون بالانتظار ببحثهم عن الربح السريع».