لم أكن أعرف أنها الكلمات الأخيرة التي ستودع فيها مهنة المتاعب والركض طوال 25 عاماً لتمنحني البوح الذي بداخلها وكانت أمامي تعتصر ألما من المرض وألماً آخر من تجاهل سنوات الخبرة التي قضتها بين أجيال، تربعت الإعلامية صباح الدباغ على عرش «صاحبة الجلالة» لسنوات طويلة، قامة إعلامية حظيت بشعبية كبيرة في مشوارها الحافل بالعطاء وتميزت بأدائها الفريد وتلقائيتها التي تضفي على المستمع روحاً إبداعية وجواً خاصاً وأسلوبا بسيطا بعيداً عن الابتذال لتترك للمستمع صورتها القديمة كانوا يترقبون وينتظرون موعد برامجها التقيتها بعد انتظار هاتفتني قبل الموعد بيوم «أريد أن أتحدث» وكأنها بتلك الكلمات تودع محبيها ومستمعيها في هذا اللقاء الأخير قبل وفاتها. وطلبت أن يكون مقهى ثقافياً لم تتأخر على موعدها وجدتها تلقائية لا تعرف المجاملة، صريحة، ساعتين من الحوار وبعد انتهاء الحوار كنت أجري حوارات مع أبرز الشخصيات ومع العامة، ولم يجرى لي أي حوار خاص وأنا سعيدة لأني سأترك هذا الحوار ليستفيد منها الأجيال التي من بعدي. كلنا يعلم أنك بدأت كإذاعية وتألقت من خلال عملك في الإذاعة، كيف تم ذلك؟ كانت سنوات العمل في المجال الإعلامي مليئة بالعطاء والإنجاز على مدى 25 عاماً قضيتها، ذكريات ومواقف جعلت مني أكثر قوة وقدرة لتلقي المعلومات.. العمل الإعلامي أخذ من عمري وحياتي، كانت بدايتي بكتابة المقالات في صحيفة الندوة فلم أنسى فضل من احتوى موهبتي الإبداعية وهما صلاح جلال وأحمد جلال اللذان شجعاني فعلاً على الكتابة، وكانت هي نقطة بدايتي الحقيقية، درست بجامعة القاهرة بقسم الصحافة لم يقتنع والدي وأصر أن ادرس علم الاجتماع، فحققت رغبته، فتتلمذت على يد أساتذة محنكين فهنالك التقيت بعمالقة علم الاجتماع وكان فخر لي أن ادرس على يدهم، واستفدت منهم كثيراً. كم سنة قضيتيها في القاهرة ؟ كان والدي يعمل في البداية كملحق عسكري في القاهرة، ثم مندوباً للمملكة بالجامعة العربية، فقضيت سنوات طويلة هناك، ثم إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية فدرست الماجستير في التعليم ولم استطع إكمالها في الصحافة لأن الملحق الثقافي بتلك الفترة لم يوافق على دخولي المجال الإعلامي كوني سعودية. بعد أن حققت رغبة والدك كيف دخلت الوسط الإعلامي رغم اعتراضه في بداية الأمر ؟ بعد حصولي على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة القاهرة عام 1972م، قلت لوالدي لقد حققت رغبتك وأتمنى أن أكمل مشواري في مجال الصحافة، لدي البذرة الإعلامية وحب الكتابة، فدرست دبلوم الصحافة لمدة سنتين بتخصص إذاعة وتلفزيون وكنت أول فتاة سعودية تحصل على هذا الدبلوم عام 1975م، وبفضل الله لن أنسى أساتذتي الذين دعموني منهم سعد لبيب ، حمدي قنديل ، وبابا شارو ، وتماضر توفيق ، كنت انمي قدراتي من خلال الدورات التدريبية التي تعقد للطلبة ويذهبون بنا لجولات ميدانية في مبنى الإذاعة والتلفزيون ، فلن انسى يوم السادس من أكتوبر الساعة 2 ظهراً عندما أعلن المذيع صبري سلامة عن حرب أكتوبر وكنا كطلبة متواجدين داخل الاستديو عام 1973م. ماذا أضاف لك هذا الدبلوم على الصعيدين المهني والشخصي كأول سعودية تحصل على هذه الشهادة؟ يضيف للمثقف والقارئ الكثير، فيجب أن يتوفر لدى الإعلامي عين ثاقبة تلتقط وتستفيد ، وأنا كنت انتهز أي فرصة في سبيل تطوير مهاراتي. مازال لديك عطاء لامحدود في الإذاعة حتى بعد تقاعدك؟ تم تعييني 3 رجب عام 1405م وهذا التاريخ بالنسبة لي لا ينسى، وبدأت في برنامج «دنيا الأسرة»، وتم تكليفي بعدها ببرامج خاصة لشهر رمضان منها «سهرة رمضان» ثم برنامج «على الماشي» ألتقي شخصيات من واقع العمل كانت محطات كلها كفاح وعمل. حدثينا عن أبرز المحطات الفعلية في حياتك المهنية خلال السنوات التي قضيتها في الوسط الإعلامي؟ أذكر برنامج أيام وذكريات فمن خلال هذا البرنامج التقيت بشخصيات أعطت وأخلصت للوطن، فكنت أسافر لعدة مناطق وأجري حوارات مع الرواد، فكان اكثر اهتمامي بالمرأة العاملة التي لم يسلط الضوء عليها. وماذا عن برنامجك الأخير «الجانب الآخر»؟ برنامج إعلامي ثقافي ألتقي بشخصيات من مختلف المجالات. هل اختلف مفهوم «المرأة في الإذاعة» عن السابق، هل مجتمعنا مازال يعيق دخولها عالم الإذاعة؟ اصبح المستمع يتقبل وجود المرأة في الإذاعة اكثر من الماضي، ولولا الله ثم اقتناع والدي رحمه الله لما وصلت إلى ما أنا عليه الآن فكان هو السند الوحيد لي. وهل تعتقدين أن الفضائيات سحبت البساط من الإذاعة؟ لا اعتقد لأن دورها الإعلامي موجود فكلها حلقات متواصلة تؤدي وتصل إلى هدف معين، وكما هو الحال بالنسبة للكتب الإلكترونية التي لم تلغي الورق فارتباطي بالورق نفسه لم يتغير، حتى وإن استطعت الحصول على المعلومة السريعة من الإنترنت. لماذا كنت تقدمين برامج مخصصة للطفل في بداياتك؟ وجدت في الأطفال ينابيع جميلة جدا من الحب الصادق والوفاء، الأمومة لم تتحقق في الواقع فحققتها من خلال برنامجي. أجريت حوارات كثيرة مع الأطفال على مدى السنوات التي عملت بها، فهل مازالوا على تواصل معك؟ مازالوا يتواصلون معي ويطلقون علي ( ماما صباح ) وغرست فيهم حب القراءة والاكتشاف ولابن أختي ضياء، كنت أناقش الطفل أثناء حواري معه بالمعلومات، فأريد أن يكون مكتشف للمعلومة، باحث ناشط وهذا هو الاتجاه الصحيح. ما الذي ينقص الطفل اليوم من واقع خبرتك؟ احتواء المدرسة لمواهب الأطفال ولابد من وجود وعي وإعداد المعلم المكتشف. خلال عملك في مجال الإذاعة ما أنجح البرامج التي قدمتها؟ رؤيتي كمقدمة تختلف عن رؤية المتلقي الذي له نظرته الخاصة. ثقافة المذيعة اليوم مهمة، هل تجدين أن المذيعة المثقفة هي ما تستهوي المشاهد أم جمال المذيعة، وهل اختلفت المعايير والاهتمامات ؟ المشاهد يحدد اهتماماته إما لجمال المذيعة أو المضمون ونوعية الحوار وعلى المذيعة أن لا تفرض ثقافتها للمجتمع وتترك الفرصة للضيف ليعبر عن رأيه. ما أسباب اهتمام المشاهد بجمال المذيعة؟ هذا ما فرض على الفضائيات مع الأسف ولكن ليس هو السائد هناك مذيعات يقدمن برامج هادفة بنبرة هادئة وصيغة بسيطة وهذا المطلوب. ما أسباب عدم ثقة الأجيال الجديدة في المجال الإعلامي وتخوفهم؟ كل المناصب زائلة والتواجد الإنساني في العلاقات الإنسانية هو الباقي لابد من وجود التنافس الشريف وشبابنا قادر على تحمل المسؤولية نحن ضيوف في هذه الحياة وننتهي وحياتنا محطات لنعطي فرصة للجيل الجديد. هل تتوقعين أن تصل المرأة السعودية إلى منصب رئيسة تحرير؟ ستصل لأعلى المناصب وبجميع القطاعات فالدعم الأساسي أتى من خادم الحرمين الشريفين الذي يؤمن بعمل المرأة وقدراتها. بين إذاعة اليوم والأمس ما وجه الاختلاف؟ كان عددنا قليل كنت أنا ودلال عزيز ضياء وشيرين وجواهر ونجوى ثم انضمت إلينا علياء، فلا وجود للتنافس بيننا اطلاقا. هناك خطوط حمراء تحد من ابداع المذيع ماهي؟ القدرة الإبداعية هي من تدفع الإعلامي قدماً للأمام ولا يتم ذلك إلا صقلها بالدراسة، من الصعب أن تعمل في الإعلام دون وجود علاقات طيبة. يقال أن الإعلامي هو من يصنع الكاتب والسياسي وأصحاب الأعمال، ما رأيك؟ لا يوجد إعلامي صانع، وإنما هم صانعو أنفسهم هو يفرض وجوده على الساحة بقدراته الإبداعية، الإعلامي منوه والمتلقي يحكم على الكاتب. هناك من يأخذ المجال الإعلامي كوظيفة فقط؟ الطبيب عندما يعمل هو محب للعطاء الإنساني والإعلامي الشريف هو من يسعى لإيصال صوت المظلوم والمحتاج إلى المسؤول، وأنا عاشقة للميكروفون وللإذاعة والعمل وهذه شخصيتي. فلم أتأخر يوماً عن عملي وجمهوري رغم ارتفاع درجة حرارتي إلى 49 رفضت الراحة لأن حب العمل يجري في دمي. أيهما تفضلين مقدمة ومعدة في آن معا أم تقديم البرامج فقط؟ التقديم والإعداد في آن معا، لأن لي رؤيتي كمقدمة، المعد له رؤية والمقدم له رؤية وليس بينهما أي تضارب . ماذا عن الشخصية التي لم تقابلها صباح الدباغ وكانت تتمنى أن تجري حوارا معه؟ الملك عبدالله الوحيد الذي تمنيت إجراء حوار خاص معه حتى في الساعات الأخيرة لرحيلي من الإعلام، لأني أجد فيه الوالد العطوف الذي افتقدته قبل عشرين عاما. بعيدا عن المجال الإعلامي، من هن الصديقات المقربات لك؟ في مجالات مختلفة منهن انتصار العقيل، الدكتورة اسماء باهرمز، الدكتورة هيفاء جمل الليل، د.الجوهرة العنقري، ومن الصحافة امجاد رضا، منال الشريف، ابتهاج، وتشرفت بحوار أجريته مع د.هاشم عبده هاشم الذي لم يتأخر عن موعده ورحب بي وقال لي بالحرف «أتشرف بهذا الحوار». ما الذي تتمناه صباح الدباغ بعد مشوار حافل بالعطاءات والركض المتواصل والنجاحات التي حققتها؟ أتمنى الكثير وطموحاتي كبيرة ولا تنتهي، أتمنى أن اكتب رحلتي مع الإعلام لأني تعلمت في رحلتي الكثير فالدراسة شيء والواقع العملي شيء آخر. من هي صباح الدباغ؟ وماهي الرسالة التي تريدين إيصالها؟ صباح هي إنسانة محبة للعلم لآخر يوم في حياتها، ولديها طموح وعطاء كبير، أحب عائلتي كثيراً وهم والداي وأخواتي وأبنائهم، ورغم أني لم أنجب أبناء إلا أن الله عز وجل رزقني بأبناء أخواتي.