أضاءت إشارة المرور باللون الأحمر فتوقفت بسيارتي في أحد طرق مدينة جدة، منتظرا اللون الأخضر لأكمل قيادتي متجها إلى منزلي، سمعت صوت مشادة كلامية خلفي، نظرت في المرآة فوجدت سائقي سيارتين يتبادلان الشتائم على خلفية ما نسميه تساقط السير، فوجئت بعدها أن مشادتهما تطورت إلى سباب وسرعان ما ترك كل منهما سيارته متجها نحو الآخر حتى كادا أن يشتبكا بالأيدي، ولولا لطف الله ووجود الخيرين الذين ترجلوا من مركباتهم في ثوان بسيطة محاولين إبعاد كل منهما عن الآخر لوصلت المشادة لمشاجرة لا تحمد عقباها، وبفضل الله نجحوا في آخر الأمر في دفع كل سائق إلى سيارته لينتهي الموقف أخيرا بسلام. أضاءت الإشارة باللون الأخضر وانطلق الجميع كل في طريقه، تعمدت النظر إلى أحد السائقين بعد انتهاء الموقف، ومن خلال رؤيتي لوجه أحدهما لاحظت أن كمية الغضب التي اعتملت داخل نفسه قد وصلت لقمتها، ولا شك أن الآخر بنفس الحال، واسترسلت في التفكير والتخمين ترى ماذا سيحدث لو كان الطرفان بمفردهما في الإشارة وإلام كان سينتهي الموقف؟. لا شك أننا نعيش داخل مجتمع، والمجتمع بطبيعته -وليس فقط المجتمع السعودي- يعج بكافة صنوف البشر، يمتلئ بالخير والشر معا، وعادة ما نواجه باستفزازات متعددة طوال اليوم، وربما يتعمد البعض استفزازنا بشكل أو بآخر، وربما أيضا يتم الاستفزاز بشكل عفوي تفرضه المصادفة، والنتيجة الحتمية في كلا الحالتين هي الإضرار بالشخص صحيا ونفسيا واجتماعيا. على المستوى الصحي والنفسي ربما تكون صحة الإنسان في اللحظات الانفعالية هي الأكثر تأثرا بما يحدث يوميا معنا، فقد أثبت الطب الحديث خطورة الأمراض (النفسية العضوية) المعروفة بالأمراض السيكوفسيولوجية، وهي اضطرابات عضوية سببها الرئيسي العوامل الانفعالية، وتؤثر كثيرا على العديد من الوظائف المهمة في جسم الإنسان وتتسبب في العديد من الأمراض الخطيرة، ناهيك عن ارتفاع ضغط الدم الناتج من الانفعال الذي يصيب الجسم أيضا بالعديد من الأمراض ومنها بالطبع أمراض القلب. يعتقد بعض الأشخاص الانفعاليون أنهم يستطيعون تمالك أنفسهم ومنعها من الدخول في أي شجار مع الآخرين على الرغم من الغضب الشديد الذي يعتمل داخلهم، وذلك من خلال التنفيس عن هذا الغضب بأية طريقة كانت حتى لو كانت سلبية، كأن يقومون بتدخين عدد كبير من السجائر، ورغم أن هذه الوسيلة وأشباهها لن تقوم بتهدئتهم إلا إنها تعتبر وسيلة لإفراغ شحنة الغضب الداخلية. أما الفئة الأخرى التي لا تستطيع أن تتمالك نفسها -بكل أسف- عند الشعور بالغضب، فقد ينتهي الأمر الذي يبدأ بمجرد مشادة كلامية بحتة معها، إلى صراع بدني قد ينتهي في بعض الأحوال إلى ما لا تحمد عقباه، وقد ينتهي مستقبل هذا الشخص الغاضب بأن يقبع خلف أسوار السجن أو لا قدر الله إلى القصاص، وهي قصص كثيرا ما نسمع عنها في وسائل الإعلام وتدور حول مشادات انتهت بقتل أحد الطرفين للآخر، وعندها يقع الشخص في المحظور وينتهي به الحال لأسوأ عاقبة، سرعان ما يدرك حقيقة الأمر ويتأسف لحاله ولكن بعد فوات الأوان، حيث يدرك وقتها أن موضوع المشاجرة لم يكن إلا وسواسا شيطانيا لأمر بسيط تمكن من نفسه وتلاعب بأعصابه ثم تطور إلى كارثة حلت بكلا الطرفين محل النزاع، والأهم والأدهى أن مثل هذا الشجار لم يحل بداهة المشكلة الأساسية التي بدأ بسببها الشجار، بل سلك الشجار مسلكا آخر وتشعب وامتد إلى أسرتي الطرفين، إلى العائلة التي فقدت عائلها والأخرى التي تواجه شبح القصاص، وفي خضم كل ذلك يخسر المرء الغاضب حاضره ومستقبله، تسلب حياته ويفقد ذويه وتفتقده أسرته وعائلته، وكل ذلك بسبب ماذا؟... بسب لحظة انفعال.