يبدو أنه كلما زاد الجهل وزالت معه الثقة بالنفس، إضافة للشعور بالنقص والرغبة في تعويضه لدى البعض من الناس، يكثر الإقبال على الألقاب ويزيد التركيز عليها. ناتج عن ذلك في الأصل من أزمة لديهم في القيم والأخلاق التي تعتبر المحدد أو الضابط للسلوك السوي ضد الكذب والغش والخداع والنفاق، والتظاهر بما ليس صحيحا. والتوسع أو الابتذال في استخدام الألقاب ضرره أكثر من نفعه. فمثلا لقب الشيخ يطلق على العالم الشرعي وعلى رجل الأعمال وعلى المسنين. وأفراد العمالة الوافدة اعتادوا أن يخاطبوا أو يشيروا لأي مواطن سعودي بلقب الشيخ أيا كان موقعه أو مكانته. ومن المفيد هنا حصر استعمال لقب الشيخ لما قصد له في الأصل. فقد كان يطلق على من وصل إلى مستوى علمي شرعي متفق عليه من قبل المعنيين بالأمر، خاصة وقد سبق أن صدر بهذا الشأن الأمر السامي رقم 1214/ 8 وتاريخ 11/7/1405ه، ويحصر هذا الأمر استعمال لقب الشيخ بمن وصل إلى مستوى علمي شرعي كأصحاب الشهادات العليا العاملين في القضاء. علما أنه منذ القدم ولقب الشيخ مرتبط بالقاضي والمختص بأمور شرعية. فقد كان يشار إلى القاضي إلى عهد غير بعيد بلقب الشيخ. ومع أن الكبار لا تصنعهم ألقابهم حيث هم الذين يصنعونها في حقيقة الأمر، فهناك من يرى تمييز أهل العلم بوضع ألقاب أمام أسمائهم، ويعتبره جائزا إذا ما وضعت معايير يقاس بموجبها اللقب المعطى لكل منهم. وهذا يتطلب أن تعطى الألقاب لمستحقيها، ومنهم أصحاب المنجزات الوطنية والدينية والعلمية وكذلك رواد الفكر والثقافة. الثابت من القول أن استعمال الألقاب جدير بأن لا يترك من دون ضابط، وإلا سيكون عرضة لكل من أراد إسباغ لقب ما على نفسه أو على غيره، إذ إن لذلك آثارا سلبية، منها أن ترك استعمال الألقاب مشاع لكل من أراد، يجعل البعض يطلقها على الآخرين نفاقا وتملقا رغبة في استجداء العطاء والعطف منهم أو بقصد مجاملتهم أو التقرب منهم لأي سبب كان، وفي هذا خداع. هذا مع أن البعض يبحث عن اللقب (علمي أو اجتماعي أو طبي أو غيره) ويشتريه، وهؤلاء في حقيقة الأمر كمن يحرث في البحر أو يبني بيتا كبيت العنكبوت، «.. وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون» (العنكبوت41). وفي هذا السياق قال تعالى: « لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم» ( آل عمران 188). ويشهد الوقت الراهن دخول فئة من الناس في سباق محموم للحصول على الألقاب، والأحمق حقا من يجري وراء لقب لا يستحقه ويسر بمناداته ومخاطبته به، ولو لم ينطبق في الواقع عليه، ويسخط إن لم يناد به. وهناك من الناس من يرغب في أن يلقب بأكثر من لقب، ومن لم ينادِهِ بذلك يعتبره مسيئا إليه. والعاقل من لا يقبل أن يلقب بما لا ينطبق عليه أصلا، وتأكيدا من الله تعالى للأهمية الواسعة للعقل في التدبر والتفكر والتذكر لصنعه وخلقه في الدنيا، فقد وردت كلمة العقل ومشتقاتها في القرآن الكريم (49) مرة وورد لفظ أولوا الألباب (16) مرة وورد لفظ أولوا النهى (2) مرتين. وبعد: لنا أسوة بما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: «أنت سيدنا»، فقال: «السيد الله تبارك وتعالى» ( الإمام أحمد وأبو داود)، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا محمد بن عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلنيها الله» (أخرجه البخاري وأحمد)، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد الله ورسوله» (أخرجه البخاري).. والله أعلم.