متاعب، إشكاليات، أوجاع لا أول لها ولا آخر تعاني منها سعوديات متزوجات من أجانب.. ذات المعاناة تقع على أبنائهن فصارت حاجات أساسية مثل الخدمات الصحية والتعليمية مصدر قلق لمواطنات كتب لهن النصيب الاقتران بأجانب وافدين. «عكاظ» فتحت الملف الساخن واستمعت إلى هموم و(أحلام) وأمنيات مواطنات واستمعت إلى نبضهن متلمسة حاجاتهن ومطالبهن. تبتدر الملف ( أم إبراهيم ) وهي الأم السعودية لأربع بنات وولد من زوج غير سعودي وتقول: معاناتي مستمرة منذ أن رزقت بأول مولود قبل ثلاثة عقود، تخرجت بناتي وابني الوحيد من الجامعة بعد معاناة كبيرة في جميع المراحل الدراسية فمثلا إحدى بناتي حصلت على معدل 99% وكان حلمها دخول كلية الطب.. غير أن حلمها اصطدم كونها لا تحمل الجنسية. في ذلك اليوم، تقول أم إبراهيم غرقت ابنتي في دموعها بعدما تبدد حلمها لسبب لا يد لها فيه، ظلت المسكينة تجتهد طوال 12 عاما لتحقيق حلم عمرها في دراسة الطب وقالت لي باكية: (أمي أنا ابنة هذا البلد ولا أعرف غيره وانت ابنة هذا البلد لماذا أعامل كغريبة رغم أني لا أعرف وطنا غيره). أين حق العقيمة أم إبراهيم تواصل حديثها ل «عكاظ» وتقول: إن ابنتها الكبيرة وأخواتها تخرجن من جامعاتهن وزادت أوجاعهن أكثر عندما اصطدمن بحلم الوظيفة الرسمية.. وتزداد أوجاعهن أن من هن أقل منهن مستوى وكفاءة ودرجات علمية يحصلن على فرص وظيفية. إنهن لا يعرفن بلدا غير هذا البلد ولا يشعرن بالانتماء إلا لهذا الوطن العزيز. وتضيف أم إبراهيم أن إحدى بناتها تزوجت من سعودي ورغم ذلك لا يحق لها أن ينظر في طلبها للجنسية قبل أن تنجب.. ثم تتساءل ماذا لو كانت عقيمة؟ هل تحرم من حقها في الانتماء إلى وطنها ؟ وتجيب قائلة: ( إن معاناتنا مع طلب التجنيس لا تنتهي فبعد تقديم دام عشر سنوات أكتشفت أن المعاملة لم تتحرك أصلا وأتت النقاط لتقضي على بقية آخر آمال أبنائي). لماذا يا أمي (أم محمد) سعودية متزوجة من غير مواطن أنجبت منه ثلاث بنات وولدا ثم رحل زوجها إلى رحمة الله فأصبحت هي في مكان الأم والأب على حد سواء.. وتروي معاناتها بالقول: أبنائي يعيشون في وطن أمهم غرباء، يعاملون معاملتهم برغم أنهم ولدوا في هذا الوطن العزيز ونعموا بخيراته وانتموا له بالحب والولاء ولا يعرفون بلدا غير السعودية وظل أبنائي يلاحقونني بالأسئلة في كل مرة ( لماذا يا أمي زملاؤنا في المدرسة ينادوننا بالأجانب.. لماذا نقف في طوابير الجنسيات الأخرى.. ألستِ يا أمي مواطنة مثل كل أمهات زملائنا في المدرسة ؟). امتياز ولكن أم محمد تحبس دموعها وتضيف قائلة ل «عكاظ» : أبنائي يعاملون كالغرباء في المستشفيات ويقيمون في وطن والدتهم بكفالة سنوية ولو تأخرت يوما في سدادها فأبنائي معرضون للترحيل.. ووسط كل هذه المتاعب كبر أبنائي ولازلت أتجرع ثمن زواجي من خارج وطني. ويدفع أبنائي الثمن معي.. ابنتي مثلا تخرجت من كلية الطب بمعدلات ممتازة وفي عام الامتياز استدعاها المسؤول وأخبرها بأن المكافأة المخصصة لها (3000) بدلا من (9000) لأنها (أجنبية) ولم يشفع لها تفوقها ولا كونها ابنة مواطنة. المحكمة والتوكيل أم محمد تصف حالها وأوضاعها وتقول ل «عكاظ: إن القشة التي قصمت ظهر البعير على حد قولها أنها كبرت في السن ولم تعد قادرة على مراجعة الدوائر الحكومية وذات يوم ذهبت إلى المحكمة لتوكيل ابنها في إحدى المعاملات غير أنها اصطدمت بأن المحكمة رفضت التوكيل بحجة أن نجلها الذي هو في مقام والد شقيقاته.. أجنبي. وتتساءل أم محمد: هل كون ولدي أجنبيا يطعن في أمومتي له؟ ، ماذا أفعل وليس لدي رجل سواه فهو ابني وأنا أمه؟ ، كيف أقنعهم أنني ابنة هذا البلد وأبنائي لايعرفون غيره ولم يغادروه طوال حياتهم ؟.. تناشد أم محمد الجهات المختصة بالنظر في وضع المرأة المواطنة المتزوجة من أجنبي وتعديل وضعها ووضع أبنائها ومعاملتهم مثل المواطنين. ضبابية الضمان أم ندى تناولت القضية من اتجاه آخر، وذكرت أنه بعد صدور قرار يفيد بأن أبناء المواطنة المطلقة أو الأرملة يحصلون على إعانات ومساعدات الضمان الاجتماعي وذلك في حال كانوا في حضانة والدتهم فقد تقدمت إلى مكتب الضمان للحصول على استحقاقاتها لكن طلبها قوبل بالرفض وردوا عليها بأن قرارا كهذا لم يصدر بعد وإن كان قد صدر فلم يصلهم بعد. وتضيف أم ندى أنها تسمع عن كثير من القرارات التي تأتي في صالح المواطنة المتزوجة من أجنبي وعند مراجعة الجهة المختصة تفاجأ كل مرة أن قرارا كهذا لم يصدر. علياء وهي ابنة مواطنة لزوج غير سعودي عبرت عن معاناتها بالقول: (لا نريد أن نشعر بالفارق بيننا وإخوتنا من أبناء السعوديين .. فأنا ولدت هنا ولا أعرف بلدا غير هذا البلد وفي المدرسة عندما كنت أجبر بالوقوف في صف غير السعوديات وعندما كبرت ووعيت على الدنيا أمطرت أمي بالأسئلة وإنني أعاني مثل غيري في التعليم وفي العمل وفي العلاج).. أما أم لمياء فتروي تجربتها المريرة عند مراجعة المستفشيات بأبنائها فظروفها المادية لا تسمح لها بالعلاج في المشافي الخاصة.. حيث تقول في كل مرة أضطر إلى الصعود لمكتب المدير واستجدائه لعلاج أولاد أم سعودية في المستشفى الحكومي .. وتظل ابنتي التي تدرس في الصف الثاني المتوسط تشعر بالحرج حال تأخرها في تجديد إقامتها حتى لا يتم توقيفها في صف غير السعوديات وسط زميلاتها. استخارة وسخرية بدأت فرح بخاري حديثها بالقول إنها وجدت في رجل عربي كل المعاني الجميلة والصفات الحميدة كالتدين والصدق، وعندما تقدم لخطبتها واجه معارضة من الأهل (وبعد التفكير العميق رضيت به زوجا بمساعدة والدي الذي أوضح لي المصاعب التي يمكن أن تواجهني مستقبلا ، ثم أوصاني بالاستخارة). وتضيف فرح: بعد ما حدث النصيب بدأت المشكلات تواجهني بسبب سخرية أبناء عمومتي وزميلاتي في العمل والعاملين ونظراتهم القاصرة ولم يتوقف الحال عند ذلك وعندما حملت منه لم أفرح به كأي أم سعودية تفرح بحملها بل استقبلت الأمر بخوف شديد. وعشت مرحلة حياتية جديدة قوامها التقشف لتوفير مستقبل أفضل لابني غير السعودي.. وتستطرد فرح وتقول إن ابنها لايحظى بالتعليم الحكومي .. وهذا هو حالها. زواج البنت من جنسية الأب تواصل سميرة الفيفي ما بدأته فرح بخاري وتقول إن فرصة أطفالها في اختيار المدارس أقل بحيث ستكون الأولوية للسعوديين كما ستكون فرصتهم أقل في دخول الجامعات إذ يتم أولا قبول المواطنين ولن يتسع المجال لغيرهم برغم أن أبناءها سعوديون ولدوا وترعرعوا هنا ولا يعرفون وطنا غير السعودية ولم يقترفوا ذنبا كون أمهم ارتبطت بالزواج من غير سعودي. وذكرت سميرة أن والدها هو من اختار لها زوجها العربي الذي كان إماما لمسجد الحي ورأى أباها فيه الصلاح والتقوى. وبعد إنجاب الأبناء والبنات شعرت بمعانتهم. وتضيف: إن ابنتها رغم تفوقها في المرحلة الثانوية بأعلى المعدلات تم قبولها في التيرم الثاني كما أنه شرط في تجنيسها أن تتزوج بزوج سعودي وأن تنجب منه والزواج من سعودي يتم بصعوبة وهو أمر ذو مرارة يهرب منه أبناء الوطن. وإن تزوجت من جنسية أبيها ستكون فقدت هويتها السعودية للأبد وتعيش بنظام الكفالة طول عمرها ومهددة بالترحيل بأي وقت رغم عدم معرفتها بوطن والدها ولم تزره ولا مرة في حياتها.. إذن زواج أمل محمود من أم سعودية وأب عربي تتحدث عن حرجها أمام صديقاتها وزميلاتها في المدرسة برغم أنها عاشت كل عمرها كمواطنة في أحد أحياء الرياض وتشبعت بالعادات والتقاليد والقيم السعودية. وتقول أمل: «أتمنى أن ينظر إلى ابنة لهذا البلد، لأنني أرغب في خدمته لأنني أنتمي له بكل كياني. أشعر أني مواطنة مثل بنات خالتي اللائي يحظين بحقوق عدة لا أتميز بها ومن يريد الزواج مني فإن عليه أن يأخذ إذن زواج).