«البرد وعزلة المقابر وعشرون سنة من المحاولات اليائسة لنسيانك يا مريم... أنا لا أعرف سوى الكتابة عن امرأة لم يعرف قلبي المهبول سواها» «مريم؟ بقايا الأبجدية المستحيلة، هل تدرين؟ بعد عشرين سنة لم أفعل شيئا مهما سوى البحث عنك. أعود إلى هذه المقبرة التي صارت اليوم وسط المدينة بعد امتداد العمران بشكل جنوبي إليها، أقف على هذه الشاهدة الصغيرة التي كتب عليها كما اشتهيتِ في وصيتك: ضيقة هي الدنيا، ضيقة مراكبنا، للبحر وحده سنقول: كم كنا غرباء في أعراس المدينة».. «تمنيت أن أعيش طويلا لأحبك أكثر ولكن الأقدار منحتني فرصة الشهادة قبلك لتكون أنت المطالب بحبي وبتحمل غيابي» «عشرون سنة انطفأت، أشياء كثيرة تغيرت، الأرض التي أحببنا صارت مريضة، الناس الذين قاسمونا النور والفراش والحزن تغيروا، منذ ذلك الزمن الذي صار اليوم بعيدا، من مات مات، ومن امتطى الريح أو البحر فعل ذلك بدون تردد، وبقينا نحن هنا، بالضبط كما تُرِكنا للمرة الأخيرة على حافة هذا البحر المنسي، نحسب السنوات والوجوه والصور التي مرت بكثير من الحزن والصبر».. «كم اتمنى أن اعيش عزائي وأنساك دفعةً واحدة، لكني كلما حاولت أخفقت وازدادت وحدتي التصاقا بي» «النسيان بالتقسيط قاتل على الأمد المتوسط، بينما النسيان السريع قاتل لا يرحم صاحبه» «شاق هو الفراق الأبدي ومع ذلك علينا أن نتدرب على النسيان لنستطيع العيش» «هل كان من الضروي أن نفترق لندرك كم كنا في حاجة لأن نبقى قليلا لنقول ما لم نستطع قوله؟ أو ما أخفقنا في قوله؟ هل ما حدث بيننا كان مجرد قصة حب من فرط الفقدان والخوف، صدقنا إنها الحقيقة المطلقة؟ أم خطوة أولى بدل أن تقع على اليابسة ابتلعتها هوة الفراغ؟».. «مند زمن وأنا أقاومك ولكن الشتاء يفتح شهيتي للحماقات، كلما عاد، شعرت بنفسي ممتلئة بك ولا أستطيع مقاومة شهوة الكلمات. في كل مرة أقول ربما هذه آخر الكلمات وآخر النبضات ومن يدري ربما آخر مرة أهتف فيها باسمك وأقول لك صباح الخير حبيبي، صباح المطر يا شوقي، كل سنة وأنت بخير، وترد أنت علي: صباح المجانين والسعادات التي لا حصر لها ........ كل سنة وأنتِ رائعة».. «هل تكفي الكلمات؟ اريد أن امنحك حروفا أكثر دفئا ووضاءة وربما أكثر».. «أحيانا أقول في خاطري وأنا افتش عن النور المخبأ في أن أطرف كذبتين وجدهما الإنسان لمقاومة ظلمة الموت والقبر البارد هما: العزاء والنسيان بينما هما وجهان لعملة واحدة مرتسمة في دمه.. وهل يقدر الإنسان أن ينسى دمه»..