مع دخول العالم القرن الحادي والعشرين، ومع عصر العولمة، ومع اتساع العالم المعرفي تغيرت قواعد اللعبة في السياسة والاستراتيجية، فقد كنت مشاركا في افتتاح مركز الملك عبدالله في فيينا للحوار بين أتباع الأديان، قص علي أحد النمساويين قائلا: كنت أتحاور مع أحد الألمان، فقال لي: أنكم لا تزالون تحتفظون بقطعة من الأراضي الألمانية، ولن نطالبكم بها لأننا أصبحنا الآن نسيطر على الاقتصاد النمساوي بأكمله. لو نظرنا إلى ألمانيا، لوجدنا أنها حاولت في الحرب العالمية الثانية بسط سيطرتها على أوروبا وفشلت، لكنها اليوم فعلتها بأن سيطرت على أوروبا اقتصاديا، وما كان اليورو إلا ورقة من تلك الأوراق. وقد قدر لي أن أقوم بزيارات للعديد من دول العالم مشاركا في مؤتمرات دولية، فكنت أرى عجبا، فمنذ فترة شاركت في مؤتمر حول السلام في بودابست وأعددت نفسي لأرى ما بقي من تراث الشيوعية، فلم أجد شيئا سوى طلقات احتفظ بها المجريون على مبنى البرلمان لإحياء ذكرى الهجوم السوفيتي على بودابست لوأد الثورة. لكني وجدت كل شيء قد أصبح أمريكيا، الفنادق، المطاعم، الأسواق، حتى الموسيقى، ووجدت الشعب يتكلم اللغة الإنجليزية بأكثر مما هو في فرنساوألمانيا وإيطاليا، أدركت وقتها أثر السيطرة الثقافية والاقتصادية. انتقلت بعدها إلى موسكو بدعوة من الكريملين، وبصحبة رجل أعمال سعودي، لقد أذهلني أن الجيل الجديد من الشباب في موسكو قد تأثر بالثقافة الأمريكية، تراها على ملابسهم الجينز، وشعورهم الملونة، وشاهدت قصور القياصرة وهي تتحول إلى فنادق أمريكية، كما وجدت كل شيء أخذ يتلون بالألوان الأمريكية، لكن جيل الشيوخ وجدتهم يندبون حظهم وكأنهم يتباكون على أمجادهم. فهل تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي أن توظف اقتصادها في التأثير على سياسة الدول في المنطقة ؟ وهل آن الأوان للمفكرين أن يواكبوا المتغيرات العالمية ؟، أعتقد أن دول المجلس تمتلك إمكانيات هائلة وتستطيع أن تصبح من الدول الأكثر تأثيرا في العالم.