بينما ركز العلماء في بلادنا على دراسة الخواص العلاجية لبول الإبل، يتابع علماء آخرون في دول غربية وعربية أخرى مكونا آخر من مكونات الإبل تم اكتشافه بالصدفة، وتوحي دراسته بأنه سيدخل في تكوين العديد من المنتجات العلاجية المهمة، وهو نوع غريب من الأجسام المضادة يسمى الأجسام المضادة ذات السلاسل أحادية النوع (single-chain antibodies). تعتبر الأجسام المضادة من المكونات الأساسية للجهاز المناعي في الإنسان والحيوانات وهي جزيئات بروتينية تنتجها الخلايا البيضاء اللمفاوية (ب) وتطلقها في الدم لتتعرف على كل أنواع الجراثيم والأجسام الغريبة التي تدخل الجسم فتلتحم بها وتؤدي إلى التهامها بواسطة الخلايا البلعمية أو مهاجمتها وتدميرها والتخلص منها بطرق أخرى. وهي بذلك تشبه القذائف أو الصواريخ الذكية التي تتعرف على العدو أو الغريب تحديدا وتلتحم به. شكل الأجسام المضادة وطريقة تكوينها وقدرتها على التعرف على أي جسم غريب من الأعاجيب المدهشة، وكذلك قدرة الجسم على صنع الملايين المختلفة من هذه الأجسام. ومنذ زمن اتجه العلماء إلى استخدام الأجسام المضادة في التطعيم السلبي لعدد من الأمراض المعدية. كما أصبحت الأجسام المضادة من أهم المنتجات المستعملة في التشخيص. حديثا دخل استعمال الأجسام المضادة مرحلة جديدة حينما تم اكتشاف إمكانية استعمالها كأدوية لعلاج مختلف الأمراض مثل بعض أنواع السرطان والتهاب المفاصل وأمراض القلب وغيرها حتى وصل عدد الأجسام المضادة العلاجية أكثر من 30 وحجم سوقها حوالي 45 مليار دولار سنويا. وقد ساعدت التقنية الحديثة المسماة بال(هايبريدوما) على إنتاج كميات كبيرة من أي نوع مرغوب فيه من الأجسام المضادة. يتكون الجسم المضاد في أغلب الحيوانات من أربع سلاسل بروتينية، اثنتان منها طويلة وتدعى (الثقيلة) واثنتان صغيرة وتدعى (الخفيفة). في عام 1993م اكتشف بعض العلماء البلجيك أن فصيلة الجمال أحادية السنام، وتشمل الجمل واللاما لديها نوع من الأجسام المضادة لا يحتوي إلا على سلسلتين بروتينيتين من النوع (الثقيل) بينما تخلو هذه الأجسام من السلاسل (الخفيفة). ينتج عن ذلك أن هذه الأجسام المضادة الأحادية النوع تكون أصغر بكثير في الحجم من النوع العادي مما يجعلها قادرة على الوصول إلى أماكن لا تصلها الأجسام المضادة العادية، مثل المخ أو مثل مركز التفاعل المختبئ في بعض الإنزيمات. كما أن احتواء هذه الأجسام على نوع واحد من السلاسل فقط يجعل من السهل تصنيعها في البكتيريا أو الخمائر بواسطة طرق الهندسة الجينية. وهكذا أصبحت هذه الأجسام مرشحة للدخول في مكونات أدوية جديدة كثيرة لعلاج السرطان ومرض الزهايمر وغيرهما. وهي بذلك تحمل قيمة اقتصادية كبيرة واعدة. ختاما، لا أحد يعرف لماذا يوجد هذا النوع من الأجسام المضادة فقط في فصيلة الإبل من بين الحيوانات الثديية الأخرى، وربما يتعلق ذلك بالبيئة الصحراوية الجافة والحارة التي يعيش فيها الجمل. العجيب أن بعض أنواع الأسماك الغضروفية، مثل القرش وأقربائه، تحتوي أيضا على نوع شبيه من الأجسام المضادة ذات السلاسل أحادية النوع وهو تشابه غريب. وفي كل الأحوال تبقى الأجسام المضادة ذات السلاسل أحادية النوع من الظواهر الفريدة في تكوين الإبل التي تحثنا على التمعن في قول الحق سبحانه وتعالى «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت». للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة