أعادت الأبحاث الطبية الحديثة حول فوائد «حليب النوق» البريق مجددًا لراعي الإبل المعروف باسم الأبَّال «بالفتحة المشددة على الباء»، بعدما فقدت تلك المهنة رونقها في السنوات الأخيرة، مع امتلاك سكان الصحراء سيارات «الجمس» الأمريكية، وتراجع أهمية الجمل كوسيلة تنقل أساسية للبدوي. وبات «الأبَّال» يعيش مزهوًّا بنفسه، وفى انتظار مجلسه رجال ينزلون من سيارات فارهة، ويرتدون أغلى «البشوت»، وفى أيديهم أحدث أجهزة الجوال، لكنهم يدركون أن عند ذلك الراعي ما لا يملكون، وهو علاج بعض الأمراض الخطيرة على خلفية اعتقادات يغذيها علماء وأطباء كبار حول قدرة حليب الإبل على القضاء على فيروس الإيدز، والكبد الوبائي، والسرطان، وأمراض القلب، والأوعية الدموية لاحتوائه على بروتينات جهاز المناعة، بالإضافة لعلاج مرض السكر، حيث يحتوي على بروتينات لها مفعول الأنسولين. ويحرص الواقفون في حضرة الأبَّال على شرب حليب النوق من يده مباشرة دون غليه. ويقول مرشود نصار الجغثمي -صاحب إبل- إن «الأبَّال» قديمًا كان يتميّز الخشونة والصلابة التي اكتسبها من ظروف الصحراء القاسية، وطريقة التعامل مع الإبل، إلاّ أنه أصبح رجلاً ودودًا يحمل الموبايل، ويأكل المعجنات الحديثة، لكن لم تفقده معطيات الحضارة المعاصرة صفات الشهامة، وإغاثة الملهوف. وللأبّال قاموسه الخاص في الرعي، حيث يستخدم الترانيم الخاصة، والمسمّاة ب»الحدا»، ولا يعرف مدلولها إلاّ الإبل، فإذا أراد منها الرعي قال لها (أوهيا.. أوهيا)، وإذا أراد حلبها قال (هئ.. هئ)، وإذا أراد منها القيام والنهوض استخدم صوت يخرج من داخل الفم، وطرف اللسان يسمى (الصكصكة) وعند مطالبتها بالابتعاد عن المكان قليلاً قال لها (حد.. حد) تردد عدة مرات، وإذا أراد منها أن تبرك قال لها (إخ.. إخ)، وتختلف هذه المصطلحات من منطقة لأخرى. وتتسم زى الأبَّال منذ القدم باشتمالها على عمائم كبيرة يقي بها نفسه من لهيب شمس الصيف الحارقة، وكوت يقيه لفح البرد القارس، وعلى جانب عزبته يضع عدد من الأواني المعدنية (الطوس - والمصفى)، ولا يكتمل جمال صورة الأبَّال إلا بحمل العصا، أو السوط في يده وهي وسيلة دفاع وأداة تأديب لغرائب الإبل، وسوقها باتجاه المراعي. وكانت عدة دراسات من جامعات عالمية مؤخرًا، أشارت إلى أن حليب الإبل يحتوى على العديد من المكونات الطبيعية لعلاج الكثير من الأمراض، وبخاصة الأمراض الباطنة مستندة في ذلك إلى تقرير طبي نشر بمجلة العلوم الأمريكية مؤخرًا. ويؤكد العلماء أن عائلة الجمال، وخصوصًا الجمال العربية ذات السنام الواحد تتميّز عن غيرها من بقية الثدييات في أنها تملك في دمائها وأنسجتها أجسامًا مضادة صغيرة تتركب من سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية، وشكلها على صورة حرف Vوسمّاها العلماء الأجسام المضادة الناقصة أو النانوية Nano Antibodies، أو اختصارًا Nanobodies، ولا توجد هذه الأجسام المضادة إلاّ في الإبل العربية. وأثبت العلماء فاعلية حليب الإبل في القضاء على الأورام السرطانية، حيث تلتصق بكفاءة عالية بجدار الخلية السرطانية وتدمرها، ونجحت بعض الشركات المهتمة بأبحاث التكنولوجيا الحيوية الخاصة في بريطانيا وأمريكا في إنتاج دواء على هيئة أقراص مكون من مضادات شبيهة بالموجودة قي الإبل لعلاج السرطان والأمراض المزمنة العديدة والالتهابات البكتيرية والفيروسية.